May 19, 2022

بلدة ليبية تتأمل أهوالها الماضية ومستقبلها المجهول

دفن الناس أحياء، عائلات بأكملها تم القضاء عليها

 تقرير: سارة كريتا /  ترهونة، ليبيا
17 فبراير 2021
المصدر: The New Humanitarian 
ترجمة واعداد: عبدو الليبي

السيد وضاح الكيش معتاد على التعامل مع الجثث من المقاتلين والمدنيين الذين تم التخلي عنهم في الخطوط الأمامية في ليبيا. ولكن بعد عقد من الانتفاضة العنيفة التي أطاحت بمعمر القذافي وبعد عام آخر من القتال، فإن اخراج واستعادة الموتى من المقابر الجماعية في بلدة تشتهر بالعنف الوحشي ضد المدنيين، يختلف بالنسبة لوضاح الكيش

يتذكر الكيش، البالغ من العمر 31 عاماً، وهو أحد أعضاء فريق الطب الشرعي الحكومي المكون من 30 عضواً ، الذين كانوا يمشطون حقول ترهونة والسجون التي تم إفراغها ويقول: "أول جسد لمسته، شعرت بالخوف...كان الجسد متحللًا جداً لدرجة أنك إذا لم تحمله بعناية، فسوف يتساقط منك (ينفصل ويتحطم)". لم تكن هشاشة البقايا البشرية التي تُركت أو دُفنت لفترة أطول مما اعتاد عليه هي التي أذهلته، بل كان الفراغ الغريب والمخيف للمدينة.
خلال عامي 2019 و 2020، أصبحت ترهونة قاعدة استراتيجية للقوات الشرقية الموالية لخليفة حفتر، قائد (ما يعرف) الجيش الوطني الليبي المزعوم، أثناء محاولتها السيطرة على العاصمة طرابلس من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا. 

عندما وصل الكيش الى ترهونة في يونيو 2020، كانت الاشتباكات حينها قد تلاشت وكان حوالي 16,000 شخص من السكان قد فروا حديثاً من مدينة ترهونة (والتي تقع على بعد حوالي 60 كيلومترًا جنوب العاصمة طرابلس)  والمناطق المحيطة بها.

وقال الكيش لصحيفة (The New Humanitarian (TNH "لقد كانت مدينة أشباح...كان الناس يخافون العودة."

لسنوات عديدة، كانت ترهونة تحت سيطرة ميليشيا تعرف باسم الكانيات، يعتقد أنها وراء سلسلة من الجرائم الفظيعة، بما في ذلك التعذيب والقتل والاختفاء القسري. ومن بين الميليشيات العديدة المتورطة في الحرب الأهلية في ليبيا، فإن ميليشا الكانيات لديها تمييز مريب كونها خدمت في كلا الجانبين. فبقيادة محمد الكاني وإخوانه، دعمت هذه الميليشيا بشكل غامض حكومة الوفاق الوطني قبل ان تتحول في 2018 وتتراجع شرقاً وتتحالف مع حفتر في يونيو الماضي.


منذ ذلك الحين، يحاول الكيش وفريقه التعرف على القتلى وفهم وادراك ما حدث في غرف التعذيب السرية في ترهونة. وآخرين  منشغلون بالبحث عن الأقارب. وقد فُقد ما لا يقل عن 350 شخصاً من ترهونة منذ عام 2014، ويتساءل الكثيرون الذين لجأ معظمهم إلى شرق ليبيا، عما إذا كانوا سيتمكنون من العودة.

بالنسبة لإلهام السعودي، المؤسس المشارك ومديرة منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، فإن ترهونة ترمز لسنوات من الصراع المؤلم في البلاد: ان القوى الأجنبية تتدخل كما يحلو لها؛ والميليشيات الخارجة عن القانون لا ترى عواقب لجرائمها؛ في النهاية المدنيون هم من يدفع الثمن.

وقالت: "ترهونة تجسد حقيقة مروعة حول الصراع في ليبيا وثقافة الإفلات من العقاب.. الواقع ان الجماعات المسلحة ترتكب الانتهاكات ثم تغادر المكان...ثم يتم الضغط على الضحايا ويُجبروا أيضًا على الفرار  وعليهم قبول واقع لم  يختلقوه ولم يكونوا طرفاً فيه".

التزمت معظم الفصائل المتحاربة في ليبيا بوقف إطلاق النار الموقع في أواخر أكتوبر2020، وفي وبداية هذا الشهر (فبراير 2021) وبرعاية بعثة الأمم المتحدة تم التوافق على حكومة مؤقتة. لكن كثيرين يشككون في جدوى هذه الحكومة، التي من المفترض أن تمهد الطريق لانتخابات ديسمبر المقبل. وتظل الأسئلة الرئيسية،  مثل من سيدير القوات المسلحة الليبية الموحدة، بلا إجابة وكذلك الدعوات إلى العدالة والمصالحة وهذا مهم في ترهونة، حيث تستمر المظالم، من جراء الصراع الأخير في ليبيا والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتلك التي حدثت اثناء الثورة ضد القذافي قبل 10 سنوات، في الغليان ويمكن أن تنفجر وتتحول إلى أعمال عنف مرة أخرى.

وقال الكيش، الذي اطلع مباشرة على النتائج المروعة لما حدث في ترهونة، "يطالب الناس بفتح تحقيق قضائي، يريدون أن يعرفوا من المسؤول عن هذه الجرائم. انهم يطالبون بالعدالة".

بالنسبة لإلهام  السعودي فتقول "قبل أن تبدأ ترهونة وغيرها من الأماكن وليبيا ككل في المضي قدمًا، يجب محاسبة المذنبين على جرائمهم، وهو ألأمر الذي لم يحدث على الإطلاق حتى الآن...هناك ضغط مستمر لمطالبة الضحايا بالمسامحة والقبول اوالتعافي وأن يكونوا شجعانًا و يتخذوا الخطوات اللازمة لتحقيق المصالحة للبلاد... لكن ليس هناك نفس القدر من الضغط على الجناة لمحاسبتهم".

ماذا حدث في ترهونة: 
حتى الآن، تم العثور على 139 جثة في 27 موقعًا في ترهونة، وفقًا لما ذكره كمال أبو بكر السيوي، رئيس الهيئة الليبية للبحث والتعرف على الأشخاص المفقودين. لكن الأرقام لا تروي القصة الكاملة لما حدث في هذه البلدة وما حولها، حيث الأخوان الكاني متهمون بفرض معاملة قاسية لمن عارضوا سلطتهم أو اخطأوا معهم او خالفوهم بطريقة او بأخرى.

"دفن الناس أحياء...وتم القضاء على عائلات بأكملها" هكذا يستذكر طارق إبراهيم محمد ضو العامري، وهو أب لأربعة أطفال يبلغ من العمر 48 عامًا، كما قال لصحيفة TNH إنه احتجز لأكثر من سبعة أشهر في زنزانة صغيرة في "سجن الدعم" أحد المواقع العديدة في ترهونة التي يُزعم أن الميليشيا احتجزت وعذبت الناس فيها. 


واليوم، لازالت الملابس والجوارب والصور المهجورة ملقاة على أرض السجن أمام لوحة جدارية مشوهة لمحسن الكاني، أحد الإخوة الآخرين، الذي يشار إليه بسخرية  "وزير الدفاع".

     احدية مهجورة لزوج وزوجتة، يقول المحققون إنهما قتلا بالرصاص في مركز احتجاز للكانيات في ترهونة، ليبيا

تأسست هيئة البحث والتعرف على الأشخاص المفقودين في عام 2011، للتعرف على الرفات البشرية التي خلفها الصراع الذي أسقط القذافي والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة حكمه التي استمرت 42 عامًا. وبينما يصر أبو بكر على أن الهيئه محايدة، الا انها تلقت تمويلاً من حكومة الوفاق الوطني وكانت تابعة لحكومات سابقة. فقد أرسلت (هذه الهيئة) فريق الطب الشرعي التابع للكيش إلى ترهونة في أوائل يونيو (2020) للنظر في المقابر الجماعية المكتشفة مؤخرًا. لقد عملوا بلا توقف منذ ذلك الحين، حيث تم العثور على جثث مكدسة داخل مشرحة (غرفة لحفظ الجثث) بمستشفى محلي، وجثث تُركت في السجون، وجثث مدفونة في حقل بني محمر لم يتم بعد حفره بالكامل.

يعتقد سجناء سابقون، مثل العامري، أنهم سُجنوا بسبب الولاءات التي تعود إلى عام 2011 على الأقل. فقد حمل العامري السلاح ضد القذافي كجزء من مجموعة وجدت نفسها في النهاية متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني. وعندما انضمت ميليشيا اخوان الكاني إلى قوات حفتر، اصبح العامري وشقيقيه في مرمى نظر هذه الميليشيا.

"بين الحين والآخر كانوا يأخذون الرجال من زنازينهم ويطلقون عليهم الرصاص...كنا نسمع أصوات إطلاق النار" هكذا يتذكر العامري الفترة التي قضاها في السجن.

المهاجرون، الذين يبلغ عددهم حوالي 600 ألف في ليبيا، تم احتجازهم أيضًا في سجن الدعم، وأجبرتهم ميليشيا الكاني على القيام بمهام قدّروا أنه لا يمكن إجبار الليبيين على القيام بها، وفقًا للعامري وثلاثة مصادر اخرى. 

وقال فرج الصغير، وهو من سكان ترهونة وعضو في جمعية عائلات المفقودين التي انشئت مؤخراً، لصحيفة TNH أن أحد أفراد ميليشيا الكانيات قد اعترف بأن بعض المهاجرين المحتجزين في السجن قد تم استخدامهم لدفن جثث ضحايا آخرين. 

واضاف قائلاً "كانوا يسمحوا لهم بالخروج لمدة نصف ساعة، وهو وقت كاف للقيام بذلك العمل القذر، ثم يعيدوهم. لقد استغلوا المهاجرين لدفن الجثث، أو تحميل الذخيرة والكثير من المهام القذرة الأخرى".

وقال العديد من سكان ترهونة، بالإضافة إلى العامري، لصحيفة TNH إن أفراد عائلاتهم استُهدفوا بسبب معتقدات سياسية تعود إلى سنوات ماضية، أو لأنهم تحدثوا ضد الميليشيا، أو لأن لديهم أموالاً أو ممتلكات ارادها الكانيات ومقاتليهم. 

وقال عبد العظيم جاب الله إن 10 من أقاربه الذكور إما قتلوا أو فُقدوا. واضاف: "لقد استُهدفوا لأنهم عارضوا الميليشيات، أو لأن أسرهم دعمت ثورة 2011.  لقد كانوا يقتلون الناس ثم يصادرون أموالهم وممتلكاتهم.

الرحلة من المنزل:
بدأ الناس في الفرار عقب اندلاع الاشتباكات حول طرابلس في أبريل 2019، فغادر حوالي 200,000 شخص منازلهم في جميع أنحاء البلاد أثناء النزاع، بما في ذلك حوالي 16.000 شخص من ترهونة والمنطقة المحيطة بها. ووفقًا لتقدير عميد بلدية ترهونة الحالي، يبلغ عدد سكان المدينة نفسها حوالي 70,000 نسمة، لكن مصادر أخرى رجحت بأن العدد يقدر بحوالي 40,000 نسمة.

العديد ممن فروا من ترهونة كانوا يفرون من القتال والخطر المستمر. كقاعدة لميليشيات حفتر، كانت مدينة ترهونة هدفًا مهماً لحكومة الوفاق الوطني لاستعادتها. وعاد بعض هؤلاء السكان النازحين منذ ذلك الحين إلى ترهونة، بالرغم من عدم وضوح عددهم.

لكن آخرين غادروا مع الكانيات عندما تراجعت هذه الميليشيا إلى معقل حفتر الشرقي في بنغازي (بعد هزيمة قواته وفشلها في الدخول لطرابلس). وكان من بين هؤلاء الذين غادروا ترهونة من حاربوا مع ميليشيا الكانيات، أو يُنظر إليهم على أنهم دعموها أو استفادوا من وجود الكانيات في في السلطة.

وصرح رئيس بلدية ترهونة المؤقت محمد علي الكشر،  لصحيفة  TNH أن هناك حوالي 1,500 شخص من سكان ترهونة موجودون الآن في بنغازي وأجدابيا، وهي مدينة أخرى في شرق ليبيا، وهؤلاء يعتبرهم الكشر"هاربين" من العدالة وليسوا من النازحين حيث زعم تورطهم في القتل والخطف وجرائم أخرى.

ولكن مثلما تم تمييز بعض السكان من قبل الكانيات بسبب انتماءاتهم السياسية السابقة والحالية، يعتقد بعض الأشخاص الذين تركوا منازلهم في ترهونة أنهم لم يفعلوا اي شيء أكثر من اختيارهم للجانب الخطأ.

قال محمد جبريل، وهو ميكانيكي يبلغ من العمر 43 عامًا غادر ترهونة عندما استولت قوات حكومة الوفاق الوطني على زمام الأمور في منتصف عام 2020: "أشعر وكأنني غريب في بلدي". في البداية، اعتقد جبريل أن ذلك كان مجرد انتقال قصير المدى حيث طلب منه المقاتلون المتحالفون مع حكومة الوفاق الوطني اخلاء منزله لأن الصواريخ قد تسقط في المنطقة. قال: "غادرت بأشياء قليلة فقط. لم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون حتى وصلنا إلى بنغازي".

الآن يعيش محمد على بعد حوالي 1000 كيلومتر من مدينته، ولا يأمل في العودة قريبًا. قال: "أنا من عائلة موالية لحفتر". ووفقًا لأصدقاء عادوا إلى ترهونة، فإن جبريل مطلوب الآن من قبل القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي تدير المدينة.

ثم ان هناك عائلات مثل عائلة نوال الترهوني، انقسمت إلى اثنين بسبب الصراع. هربت نوال الترهوني من منزلها وسط اشتباكات العام الماضي في ترهونة وهي تأوي مع ابنيها والعديد من العائلات النازحة الأخرى في مبنى غير مكتمل في طرابلس.

وأوضحت نوال: "نصف إخوتي دعموا الكانيات؛ ونصفهم الآخر لم يدعموهم . أحد إخوتي ذهب إلى الشرق، ولم نسمع عنه منذ ذلك الحين. ما زلت لا أعرف ما إذا كان حيا أم ميتا". وقالت الترهوني إن الحرب تركت زوجها اشد مرضاً، وأبناؤها مصدومين، ومزقت عائلتها.

مهما كان سبب فرار الناس من ترهونة، فإن العودة، بالنسبة لمعظمهم  ليست سهلة على الإطلاق. البعض يخشى الانتقام من قبل جيرانهم وأصدقائهم السابقين، بينما تم تأجيل عودة البعض الآخر بسبب الألغام أو دمار منازلهم بسبب الحرب.

اما أولئك الذين عادوا فوجدوا بلدة لا تملك فيها البلدية أموالاً وغير قادرة على توفير الخدمات الأساسية. مستشفى مدينة تم نهبه، وسرقت سيارات الإسعاف فيه. المنازل تعرضت للأضرار أو الدمار أثناء الحرب، ومع ترك مخلفات الألغام والمتفجرات الأخرى، يمكن أن يكون الخطر في اي مكان وحول أي زاوية. وقال الكشر لـ TNH إنه طلب أموالاً من حكومة الوفاق الوطني لتسيير الخدمات في ترهونة مرة أخرى، لكن طلباته لم يتم الرد عليها.

 تأخر العدالة:
انتهى القتال إلى حد كبير، ولكن بعد الكثير من العنف، لم تكن العائلات مثل عائلة الترهوني فقط على خلاف مع بعضها البعض. لا تزال مدينة ترهونة وليبيا ككل منقسمة بمرارة.

الخوف من الوقوع ضحية لهذا الغضب هو أحد العوامل التي تدفع بأشخاص مثل جبريل للاعتقاد بأن منفاهم سيصبح دائم ولديه سبب للقلق. فخلال ثورة 2011،  نزح قسراً حوالي 48 ألف شخص من بلدة تاورغاء الغربية، ومعظمهم من مجموعة عرقية تحمل الاسم نفسه، وقد اتُهموا بدعم القذافي والمشاركة في فظائع مثل الاغتصاب والقتل، بالرغم من أن معظم المهجْرين كانوا من المدنيين.

على الرغم من اتفاقيات المصالحة التي كان من المفترض أن تسمح لهم بالعودة، إلا أن بلدتهم لا تزال فارغة ومدمرة إلى حد كبير، مما يجعلهم من بين حوالي 316 ألف ليبي لا يزالون نازحين داخل البلاد.

يصر المسؤولون الليبيون على أنهم يريدون محاسبة المسؤولين عن ارتكاب أسوأ الفظائع. وقال وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني صلاح الدين النمروش لـ TNH: "هناك حاجة إلى العدالة في جرائم الحرب، سواء من خلال المؤسسات القضائية الليبية أو الدولية". ولكن الحقيقة، على الرغم من هذه التعليقات والعديد من الدعوات للتحقيق أو المساعدة من المجتمع الدولي، هي أن أي عدالة مجدية تبدو وكأنها بعيدة المنال.

ولقد فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا اعتباراً من عام 2011 فصاعداً، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت أي من القضايا ستحاكم على الإطلاق. كانت هناك زيارة واحدة فقط من وفد المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر الماضي. وفي غضون ذلك، توقف تحقيق منفصل للأمم المتحدة بسبب نقص التمويل.


في الوقت الحالي، الجماعات المحلية بترهونه لا تستطيع  القيام بأكثر من  جمع الجثث والأدلة والحفاظ عليها بعناية؛ سواء لسجلاتهم الخاصة أو لأي محاكمات ليبية أو دولية قد تحدث في وقت ما في المستقبل وحتى هذا امر صعب.

على الرغم من أنه يتم انتشال الجثث من مقابر جماعية أو مواقع أخرى، إلا أن هيئة البحث والتعرف على المفقودين لا تملك التمويل لاختبار الحمض النووي الخاص بهم في مختبر البصمة الوراثية في طرابلس. وقال إن هناك أكثر من 6,000 جثة تم العثور عليها في جميع أنحاء ليبيا منذ 2011،  لم يتم التعرف عليها.

في ترهونة، من بين 139 جثة تم العثور عليها، تم التعرف على 23 جثة فقط، وذلك عن طريق العائلة والأصدقاء الذين تعرفوا على ملابسهم أو من خلال تحديد علامات مميزة لهم. اما باقي الجثث فيحتفظ بها في مستشفيين في طرابلس حيث يتم عرض بعض المقتنيات الشخصية لهم، على أمل أن يلمح الأشخاص الذين يبحثون عن أقاربهم المفقودين ساعة أو محفظة مألوفة.

حتى في الوقت الذي يتحدث فيه السياسيون الليبيون بتفاؤل عن تشكيل الحكومة والانتخابات في وقت مبكر من شهر ديسمبر (2021)، عاد ماضي ترهونة القريب بالفعل ليطارد الحاضر، وتقريبًا لا احد هنا تفاجأ بذلك.

في أواخر يناير، بعد تشييع جنازات عدد قليل من الأشخاص الذين تم التعرف عليهم من المقابر الجماعية، أحرق السكان المحليون المحبطون /الغاضبون منازل العديد من العائلات التي يُعتقد أنها كانت تدعم الكانيات.

وحذرت الهام السعودي، من منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، من أن المضي قدمًا دون استجواب الماضي بالفعل، كما تفعله الحكومة المؤقتة الآن على ما يبدو، هو أمر خطير وببساطة ليس جيداً بما فيه الكفاية لبلد كان يعاني من الصراع المتقطع لعقد من الزمن. وقالت: "ان العملية التي لا تتضمن التدقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في صميمها، ليست عملية مناسبة لتعيين الجسم التنفيذي المقبل في ليبيا...النظام تم تصميمه من أعلى إلى أسفل كي لا يتم مساءلة الأشخاص المتورطين"


وتعتقد حنان صلاح ايضاً، وهي باحثة أولى مختصة في شؤون ليبيا في منظمة Human Rights Watch، أنه من الخطأ محاولة طي الصفحة بدون بذل جهود أكبر لتسوية خلافات الماضي. وقالت: "أدت النزاعات المسلحة المتقطعة والخلافات السياسية في ليبيا منذ 2011، إلى انهيار السلطة المركزية، وتقسيم البلاد، ومنع عمليات بناء المؤسسات، والتي بدورها كان لها في المقابل تأثير مدمر على المدنيين... العملية يجب أن تتضمن التزامًا واضحًا بالمحاسبة عن الجرائم الخطيرة ، لأن الفشل في تحقيق العدالة سيعيق آفاق السلام الدائم".

اي عدالة يجب أن تشمل أشخاصًا مثل زينب القنوطي البالغة من العمر 35 عامًا، والتي تكافح لتربية أطفالها الستة بمفردها منذ فبراير 2018، والتي تقول إن زوجها علي وشقيقه اختطفا خارج منزلهما بترهونة. وقالت زينب لـ TNH، "أحتاج  للعثور على جثة زوجي،  بعد أن تقدمت ببلاغ لتوثيق اختفائه لدى بلدية ترهونة"

 

اليوم، تعيش زينب في منزلهم المدمر جزئيًا، على الرغم من عدم وجود أثاث وليس به أي شيء آخر وتقول "يسألني أطفالي كل يوم عن والدهم، ماذا يجب علي أن أقول لهم؟ "

التقارير المحلية بدعم من فرد تم حجب اسمه بسبب مخاوف أمنية.
جميع صور من ندى حرب لـ TNH.
التعليقات الصوتية من ليندا فؤاد ومحمد علي عبد الله.