May 25, 2021

القتل الجماعي وخطيئة الصمت

قامت ميليشيا ليبية بمعاملة هذه المدينة بوحشية لسنوات
لم يوقفهم أحد ... لم يحاسبهم أحد

 

By Sudarsan Raghavan

 The Washington Post

Photos by Lorenzo Tugnoli

ترجمة: Abdo Ellibie

 

ترهونة، ليبيا - عندما اختطفت الميليشيات عبد العالي الفلوس وأبنائه الأربعة العام الماضي، كان لدى أسرتهم كل دواعي الخوف من الأسوأ. في ذلك الوقت، كانت ميليشيا الكانيات (نسبة إلى إخوة من عائلة الكاني) قد قتلت العشرات وربما المئات من المدنيين في هذه البلدة الرعوية، وكثير منهم قد اطلق عليهم النار عدة مرات من مسافة قريبة، غالباً معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي وارجلهم مقيدة، وفقاً لمسئولين وقادة المجتمع. 

 

لم يوقف أحد رجال المليشيا أو يحاسبهم، لا الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، والتي كانت متحالفة مع الكانيات الى حتى ما قبل عامين ماضيين، ولا أمير الحرب المتمرد خليفة حفتر، الذي تحالف مع الميليشيا واستخدم ترهونة لشن هجوم فاشل على العاصمة طرابلس ولا الأمم المتحدة، التي كانت تحاول دعم الحكومة طوال هذه السنوات.

 

 وفي وقت مبكر من عام 2017 ظهرت تقارير عن الفظائع التي ارتكبتها ميليشيا الكانيات وكانت معروفة للسلطات الحاكمة والمشرعين الليبيين والأمم المتحدة وآخرين، وفقًا لسكان مدينة ترهونه ونشطاء حقوقيين واثنين من المحققين السابقين التابعين للأمم المتحدة. ولكن فقط في الأشهر الأخيرة، مع الكشف عن مقابر جماعية، أصبحت الأبعاد الكاملة لفظائع الكانيات واضحة. كل أسبوع تقريبًا، كان العمال الذين يرتدون الزي الأزرق ينتشلون المزيد من الجثث المتحللة من التربة ذات اللون البني المحمر في مزرعة هروده، التي تبلغ مساحتها ثمانية فدانات، مما يشكل أدلة متزايدة على جرائم حرب محتملة ارتكبها أخوة من اسرة الكاني والميليشيا المحلية التي شكلوها لإخضاع وقهر مدينة ترهونة.

 



وقال الياس الحمروني، رئيس لجنة المقابر الجماعية في دائرة الطب الشرعي بوزارة العدل الليبية، إنه تم حتى الآن انتشال 120 جثة. المقابر مليئه بالمدفونين حديثاً بعد عام أو أكثر من اختفائهم.

 

اما كمال أبو بكر، رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين فقال إن هذه هي المرة الأولى التي وجدت فيها وكالته مقابر جماعية بها نساء وأطفال، واضاف قائلاً "إنه أمر غير عادي أيضاً، حيث يُفقد الكثير من الناس من نفس المدينة. في ثقافتنا، لا تقوم بتعذيب أفراد عائلة أو الجيران أو اشخاص من نفس المجتمع. ما رأيناه في ترهونة لا يمكن إلا أن يطلق عليه مجزرة. وقال فريق التنقيب التابع له، إنه يمكن أن يكون هناك ما يصل إلى 17 مقبرة جماعية أخرى حول المدينة، وأن أكثر من 350 عائلة ابلغت مكتبه أن أقاربها في عداد المفقودين.

 

وقال محمد الكشر، رئيس بلدية ترهونة، "للأسف، الحكومات المتعاقبة في ليبيا لم تتدخل في جرائم هذه الميليشيا. لو أرادوا، لكان بإمكانهم القضاء على الكانيات لكن كل حكومة تغض الطرف عن جرائمهم، وفي المقابل، قامت مليشيا الكانيات بما طلبت منها الحكومة عمله".

 

 

Go inside the town of Tarhuna which was brutalized by a Libyan militia for a decade.
 (Sudarsan Raghavan, Jason Aldag/The Washington Post)
 

قُتل الجميع باستثناء شخص واحد

في فبراير / شباط المااضي تم العثور على جثث من عائلة الفلوس النعاجي تتكون من الأب "عبد العالي صالح المبروك الفلوس" وثلاثة من أبنائه (عبد الرحمن وعبد المالك ومحمد)، في إحدى المقابر الجماعية، وكانت رفاتهم ممزوجة ببعضها البعض وأطرافهم متناثره وفقًا للصور. وبعد أسبوعين، تجمع أفراد الأسرة في خيمة عزاء لتلقي التعازي من الزوار. روى الأقارب كيف انه، في شهر أبريل من العام الماضي، جاء رجال ميليشيا الكانيات يرتدون زيهم المموه وشاراتهم / رتبهم العسكريه إلى منزل العائلة، وخطفوا الفلوس وأبنائه، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 15 و 10 و 8 سنوات.

 

ثم فُصل المقاتلون الصبية عن أبيهم واقتادوهم إلى استراحة قائد الميليشيا (عبدالرحيم الكاني) . أُمر الأولاد بالوقوف في صف واحد ومواجهة الحديقة. ثم اطلق المقاتلون النار فقتلوا الجميع باستثناء الأصغر سناً. يتذكر معاذ الفلوس، الذي يبلغ من العمر 9 سنوات الآن، وعيناه قاتمتان وصوته الخجول يرتجف من الذاكرة: "رأيت إخوتي يتساقطون وبدأت في البكاء. 

 


ثم قال معاذ، انه جرى لكن المقاتلين أمسكوا به وأخذوه إلى قائدهم، وهو رجل أصلع على إحدى عينيه بقعة سوداء ويد مشوهة. قال الرجل لمعاذ إنه سيبقيه على قيد الحياة كتحذير للآخرين، كما يتذكر الصبي، ووضع الرجل مسدساً على رأس معاد وقال له: "هل ستقاتل الكانيات عندما تكبر؟" أجاب الصبي: "لا".

 

ولادة ميليشيا الكانيات

بقيادة سبعة أشقاء، حكمت عائلة الكاني والميليشيا المسماة باسمهم ترهونة بوحشية، كانت حتى بمعايير العنف الليبي، غير عادية. قال سكان محليون إن أحد الإخوة احتفظ بمجموعة من الأسود لإرهاب السكان.

 

قبل الانتفاضة الليبية منذ 10 سنوات في 2011، ضد الدكتاتور معمر القذافي، كان آل الكاني مجهولين إلى حد كبير. كانوا عائلة فقيرة تعيش في منزل صغير من طابقين في وسط ترهونة، وهي قرية صغيرة من المنازل ذات اللون الكريمي وبساتين الزيتون على بعد حوالي ساعة بالسيارة جنوب العاصمة طرابلس. في ذلك الوقت، كانت ترهونة مليئة بالموالين للقذافي، وكان من بينهم أفراد من عشيرة الكاني، الذين همشوا الإخوة السبعه، وتركوهم يشعرون بالمرارة والغيرة (تجاه افراد عشيرتهم)، كما قال سكان ومحللون ليبيون. فعندما اندلعت الثورة، شعر الأخوة بالإنفتاح.

 

قال جليل حرشاوي، وهو باحث وزميل أول متخصص في الشؤون الليبية في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنيه "كان أول رد فعل الكانيات هو الترحيب بالفوضى المفاجئة كفرصة. كان ضباب الحرب سيجعل من الممكن لهم الانتقام لضغائن واحقاد قديمة قبل عام 2011، وذلك باستخدام القوة الغاشمة."

 

وفي الوقت الذي أُطيح فيه بالقذافي وقتله في أكتوبر 2011، كان الأخوان الكانيات قد حسموا حسابات قديمة لهم مع رجال قبائلهم، بقتل العديد منهم، وعزز ذلك من كفاءة الكانيات كثوار، وأقناع القوات المناهضة للقذافي على أنه يمكن الوثوق بالكانيات لقمع الموالين للديكتاتور والحفاظ على ترهونة آمنة. فتُركت الكانيات بمفردها، فعمقت قبضتها على المدينة، وعاملت السكان بكل وحشية لترسيخ سيطرتهم وهيمنتهم. 

 



وقال نشطاء المجتمع وسكان المدينه انه في غضون سنوات قليلة بلغ  عدد افراد هذه الميليشيا المئات من المقاتلين. سيطروا على وحدات الشرطة والجيش داخل ترهونة. كما أثرت (كونوا ثروه) الكانيات نفسها من خلال فرض ضرائب على مهربي البشر والوقود، وجمع أموال الحماية من عشرات الشركات الصغيرة والاستيلاء على ملكية شركات أخرى، وفقًا لرئيس البلدية وقادة المجتمع والمحللين الآخرين.

 

بعد ذلك، وفي عام 2016، وجدت ميليشيا الكانيات مصدراً جديداً للدخل المتمثل في "حكومة الوفاق الوطني" التي تأسست برعاية الأمم المتحدة في طرابلس وبدعم من القوى الغربية. فتحالفت الكانيات مع هذه السلطة الجديدة وبدأت في تلقي رواتب وأموال أخرى. كانت ميليشيا الكانيات حيوية لأنها كانت تسيطر على بوابة رئيسية إلى طرابلس من الجنوب. كانوا يطلق عليهم اللواء السابع، وهو اللقب الذي منحهم غطاء السلطة الرسمية.

 

رغم ذلك، استمرت جرائم القتل.

 

التقارير المبكرة لم تلق اهتماماً.

 في أبريل / نيسان 2017، حاصر رجال ميليشيا الكانيات منزل عائلة من عشيرة مبروك، بحسب ما يتذكر أفراد الأسرة، وكان المقاتلون بالفعل قد اعدموا فيما سبق أحد أقاربهم، "سليمان" لرفضه الانضمام إلى الميليشيا. الآن أرادوا تقليل احتمالات تعقب جرائمهم، كما يعتقد الأقارب، فداهم المسلحون المنزل. وقالت شقيقة سليمان "أم هناء أبو كليش"، كان شقيقاها من بين 13 قتيلاً في ذلك اليوم، "لقد أطلقوا النار على جميع الرجال. كانوا يخشون أن ينتقم إخوتي الآخرون لمقتل سليمان.

 

ويقول أقارب عائله الفلوس، إن الدوافع قد تكون عدة في مقتل الفلوس وأبنائه. فقد كان الفلوس يمتلك متجراً لصرف العملات وكان مؤثراً في المجتمع، مما قد يشكل تهديداً للميليشيا وكان أيضا ثريا. سرق مقاتلوا الكانيات سيارته المرسيدس-بنز وسيارة دفع رباعي. وتعرض متجره للسرقة في وقت لاحق حسب قول عبد الرحمن المبروك، صهر الفلوس، 39 عاما.

 

وقال قادة المجتمع والنشطاء وأقارب الضحايا إن عائلات الضحايا غالباً ما كانت تخشى الإبلاغ عن عمليات القتل أو الاختفاء، ولكن بعض العائلات تقدمت بشكاوى إلى مكتب المدعي العام حسب ما صرح به رئيس المجلس التسييري لبلدية ترهونة محمد الكشر. 

 

وقال الحرشاوي: "ان الحجم الكامل غير معروف، لكن تم الإبلاغ عن العديد من عمليات القتل" في إشارة خاصة إلى السنوات التي كانت فيها الكانيات متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني.

 

تمتلك عائلة "أحمد هرودة" وهو رجل أعمال مؤثر في ترهونة، مزرعة التي يتم فيها الآن الكشف عن الجثث. قال احمد (الذي كان يعيش خارج ترهونه) إن جيرانه نبهوه إلى رؤية الأضواء وسماع الجرارات في الليل وأصوات آلات الحفر.  وفي وقت مبكر من عام 2017، قال احمد هرودة إنه أخطر مكتب النائب العام، ومكتب رئيس الوزراء، ووزارة الداخلية، وزعماء القبائل، والأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان الإقليمية بما يحدث في مزرعته.

 

وقال احمد هرودة، وهو رجل نحيل ذو عينين بنيتين ثاقبتين، انه هرب من الكانيات منذ عدة سنوات ويعيش الآن في طرابلس: "لقد أخبرتهم عن المزرعة وعمليات القتل والاختفاء التي تقوم بها ميليشيا الكانيات ولكن لم يحدث شىء، 

 

اختاروا عدم الرؤية (غض النظر)"

الباحثة في شؤون ليبيا في منظمة هيومان رايتس ووتش "حنان صلاح" قالت "إن الكثير من المسؤولية عن جرائم الكانيات تقع على عاتق حكومة الوفاق الوطني، التي يبدو أنها تغض الطرف عن وحشية هذه الميليشيا وما يجري من انتهاكات خطيرة للغاية". لكنها قالت إن المسؤولية قد لا تتوقف عند هذا الحد. وقالت: "السؤال الذي يمكن طرحه هو ما إذا كان ينبغي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يكون رد فعلهم عاجلاً وهل أبلغتهم الأمم المتحدة بشكل كافٍ علناً بالوضع في ترهونة؟"

 

محقق سابق للأمم المتحدة في ليبيا قال إن شخصيات في حكومة الوفاق الوطني "كانوا على علم تام" بانتهاكات الكانيات. وقال المحقق، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف من فقدان وظيفته في الأمم المتحدة، إن حكومة الوفاق الوطني لم تحتفظ بسجلات جرائم الكانيات لأنها تسيئ بسمعة الحكومة اي جعلتها "تبدو سيئة". 

 

وقال محقق سابق آخر للأمم المتحدة في ليبيا إن العلاقات بين حكومة الوفاق الوطني وسكان ترهونة كانت متوترة في كثير من الأحيان، حيث لا يزال العديد من السكان متعاطفين مع القذافي، وأرادت الحكومة تجنب إثارة الأعمال العدائية في المدينة. قال هذا المحقق السابق، الذي تحدث أيضاً دون الكشف عن هويته لحماية وظيفته في الأمم المتحدة: "ان ذلك يساعد في تفسير الموقف السلبي/ الغير فعال للسلطات في طرابلس".

 

وبحسب مسؤول كبير سابق في حكومة الوفاق الوطني، تتحمل حكومة الوفاق الوطني المسؤولية عن جرائم الكانيات التي وقعت في عهدتها. لكنه قال إن الميليشيا لم تكن ابداً تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني بالكامل. وقال إن المجتمع الدولي فشل في تقديم الدعم الكافي للحكومة لمواجهة الكانيات.

 

 واعترف هذا المسؤول السابق، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لحماية علاقاته مع الشخصيات السياسية البارزة، بأن حكومة الوفاق الوطني لم تكن لديها إرادة سياسية قويه لمحاسبة الكانيات، وأنها اتخذت "طريقاً أقل مقاومة" بسبب أهمية هذه الميليشيا بالنسبة لأمن حكومة الوفاق الوطني وأيضاً بسبب القيمة الاستراتيجية لترهونة. وقال "كانت هناك منفعة متبادلة". اي على نهج "عدو عدوي هو صديقي"  لقد كان تحالفاً بالملائمه".

 

وقال المتحدث باسم وزارة العدل في حكومة الوفاق الوطني، أكرم كراوان، إن مسؤولي الوزارة "غير مسؤولين عن محاسبة المجرمين". وقال إن هذه كانت مهمة مكتب النائب العام ووزارة الداخلية (وكلاهما لم يستجيبا لطلبات التعليق على هذا الموضوع).

 

وبالرغم من ظهور التقارير الناشئة عن الفظائع (التي ارتكبتها ميليشيا الكانيات)، واصل كبار المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني ومسؤولو الأمم المتحدة زيارة ترهونة. وقال محمد الكشر إن مثل هذه الاتصالات أقنعت العديد من السكان بأن الكانيات تحظى بدعم سياسي من الحكومة والأمم المتحدة. "كانوا جميعًا يعرفون ما حدث هنا". واضاف "لكنهم اختاروا عدم رؤيتها".

 

لكن متحدثًا باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (Jean Alam" (UNSMIL" اعترض على هذا الوصف قائلاً:  "أي حوار للأمم المتحدة مع الجماعات المسلحة لا يعني أن الأمم المتحدة تضفي الشرعية على هذه الجماعات أو الأفراد ولكن تدخل الأمم المتحدة في حوار معهم لمنع الانتهاكات". ورداً على أسئلة عبر البريد الإلكتروني، قال "Alam" إن الأمم المتحدة تتابع عن كثب الوضع في ترهونة منذ عام 2017 ووثقت الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي يُزعم ارتكابها من قبل الكانيات. 

 

وأصدرت كل من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) عدة تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في ترهونة و أثارت باستمرار مخاوف بشأنها في مجلس الأمن ومع السلطات الليبية ذات الصلة على أعلى مستوى". وقال Alam: "دعت الأمم المتحدة حكومة الوفاق الوطني مراراً وتكراراً إلى احترام مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني".

 

في أبريل / نيسان 2019، حول الكانيات ولاءهم إلى أمير الحرب حفتر (عقب عدوانه على طرابلس) وانحازوا بمدينتهم لحكومته في شرق ليبيا ووضعوا مقاتليهم تحت إمرته تحت مسمى "اللواء التاسع" المعين حديثاً، واستقر كبار قادة حفتر في ترهونة. وتصاعدت حدة القتل والاختفاءات في ترهونة بشكل كبير. وقدر محمد الكشر أن الميليشيا قتلت أكثر من 1000 مدني خلال العقد الماضي، وان ما يقرب من ثلثيهم قتلوا خلال 14 شهراً حينما كانت ترهونه تحت قيادة حفتر. 

 



ولم يرد المتحدث باسم قوات حفتر (المسماري) على طلب للتعليق.

وقد قُتل اثنان اخوة من الكانيات وهم الأخوين محسن وعبد العظيم في غارة بطائرة بدون طيار في سبتمبر 2019. وتعتقد القوات الموالية لحكومة الوفاق أن الأخوين الباقين، بمن فيهم القاده محمد وعبد الرحيم الكاني، مختبئون في مدينة اجدابيا بشرق البلاد ولم يتسنى الوصول اليهم للحصول على تعليق.

 

وحتى الآن فشلت الجهود الدولية لمحاسبة عائلة الكاني. ففي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أرادت الولايات المتحدة وألمانيا فرض تجميد الأصول وحظر السفر على الكانيات ومحمد الكاني ولكن روسيا اعترضت وقالت إنها لا تستطيع الموافقة على العقوبات حتى ترى المزيد من الأدلة على أن الميليشيات قتلت مدنيين.

 

البحث عن الأقارب

في الصيف الماضي، أخيراً أصبح الوضع آمناً للكثيرين في ترهونة للبحث عن الحقيقة بشأن أقاربهم المفقودين. وكانت قوات حكومة الوفاق الوطني قد طردت مقاتلي حفتر والكانيات من ترهونة، فدمر المنتصرون ومعهم المئات من سكان البلدة اثار وبقايا الميليشيا. وتعرض منزل عائلة الكاني وفيلاتها وكذلك مركزاً تجارياً كانوا قد بنوه للقصف والحرق بقذائف الهاون. 

 

وفي أحد مراكز الاحتجاز، تم تشويه لوحة جدارية كبيرة لمحسن الكاني واخترقها الرصاص، وقال السكان إن الأسود قتلت.

 





وروى الناجون محنتهم في سجن سري تم إحراقه الآن داخل مجمع وزارة الزراعة، فقد أُجبر المعتقلون على الانحناء وضم الركبتين للذقن داخل دواليب / خزائن المطبخ بحجم خزنة كبيرة تحت فرن كبير، على حد قول اثنين من الناجين. 

 

أحد أساليب التعذيب: تشغيل الفرن.

قال عبد الحليم محمد (28 عامًا) مهنته حداد وواحد من ثلاثة ناجين فقط من السجن، إنه أُجبر على حشر جسمه الذي يبلغ طوله 6.2 أقدام في دولاب وقضاء 47 يوماً هناك لأنه رفض الانضمام إلى ميليشيا الكانيات (التابعة لخليفة حفتر). ويتذكر قائلاً: "لقد استخدموا أيضاً السوط ونزع الأظافر، تعرضت للضرب والصعق بالكهرباء ولا أعرف حتى لماذا أطلق سراحي. كل من جاء إلى هنا قُتل.

 

وخرج الآلاف من السكان المحليين من منازلهم وقاموا بتفتيش القواعد العسكرية التابعة للكانيات ومراكز الاحتجاز والسجون السرية بحثاً عن أقاربهم المفقودين. وانضمت عائلة الفلوس للبحث، على أمل أن يكون معاذ ربما قد خُيل له موت إخوته. وقال المبروك عم معاذ، وهو رجل ذو لحية كثيفة من الشيب "حتى مجرد السؤال عن أخي وأبناء أخي كان أمراً خطيراً طالما أن ابناء الكاني يسيطروا على بلدتنا".

 

لكنهم جاءوا فارغين.

قال المبروك: "في تلك اللحظة، أدركنا أن معاد كان يقول الحقيقة". "فقدنا الأمل في ذلك اليوم."

 

تتجه العائلات إلى مستشفى طرابلس على أمل التعرف على رفات أحبائها. الجثث التي انتشلت من المقابر الجماعية موضوعة في أكياس سوداء ومكدسة داخل حاوية شحن مبردة خارج المستشفى. وقال الحمروني، من قسم الطب الشرعي بوزارة العدل، حتى الآن، تم التعرف على 59 جثة فقط من بين 120 جثة، معظمها من خلال الأسنان والوحمات والندوب الجراحية والملابس.

 

وفي فبراير الماضي، ذهب المبروك وقريب آخر للفلوس إلى طرابلس لمشاهدة الصور. أخبرهم عامل أنه تم اكتشاف قبر يحتوي على رفات رجل وثلاثة صبية، وأظهر لهم الصور، على حد قول مبروك. تسارع نبضه وأخذ الصور إلى أخته، والدة الأولاد فتعرفت على محمد من ملابسه الداخلية، وزوجها من سنه الذهبيه وابنيها الآخرين من خلال أنماط أسنانهم. وفي يوم الجمعة، 5 مارس / آذار، تسلموا الرفات وأعادوها إلى ترهونة في سيارة إسعاف. وفي اليوم التالي، دفنوا الأربعة بجانب بعضهم البعض في مقبرة في قلب المدينة. قال المبروك: "شعرنا بالارتياح، نحن نعرف كيف انتهت قصتهم، الآن نريد من الحكومة أن تحقق لنا العدالة".

 

المصدر

Mass murder and the sin of silence

 

مصادر اضافيه


Mass graves unearth horror of Libya war