السيد وضاح الكيش معتاد على التعامل مع الجثث من المقاتلين والمدنيين الذين تم التخلي عنهم في الخطوط الأمامية في ليبيا. ولكن بعد عقد من الانتفاضة العنيفة التي أطاحت بمعمر القذافي وبعد عام آخر من القتال، فإن اخراج واستعادة الموتى من المقابر الجماعية في بلدة تشتهر بالعنف الوحشي ضد المدنيين، يختلف بالنسبة لوضاح الكيش
يتذكر الكيش، البالغ من العمر 31 عاماً، وهو أحد أعضاء فريق الطب الشرعي الحكومي المكون من 30 عضواً ، الذين كانوا يمشطون حقول ترهونة والسجون التي تم إفراغها ويقول: "أول جسد لمسته، شعرت بالخوف...كان الجسد متحللًا جداً لدرجة أنك إذا لم تحمله بعناية، فسوف يتساقط منك (ينفصل ويتحطم)". لم تكن هشاشة البقايا البشرية التي تُركت أو دُفنت لفترة أطول مما اعتاد عليه هي التي أذهلته، بل كان الفراغ الغريب والمخيف للمدينة.
خلال عامي 2019 و 2020، أصبحت ترهونة قاعدة استراتيجية للقوات الشرقية الموالية لخليفة حفتر، قائد (ما يعرف) الجيش الوطني الليبي المزعوم، أثناء محاولتها السيطرة على العاصمة طرابلس من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا.
وقال الكيش لصحيفة (The New Humanitarian (TNH"لقد كانت مدينة أشباح...كان الناس يخافون العودة."
لسنوات عديدة، كانت ترهونة تحت سيطرة ميليشيا تعرف باسم الكانيات، يعتقد أنها وراء سلسلة من الجرائم الفظيعة، بما في ذلك التعذيب والقتل والاختفاء القسري. ومن بين الميليشيات العديدة المتورطة في الحرب الأهلية في ليبيا، فإن ميليشا الكانيات لديها تمييز مريب كونها خدمت في كلا الجانبين. فبقيادة محمد الكاني وإخوانه، دعمت هذه الميليشيا بشكل غامض حكومة الوفاق الوطني قبل ان تتحول في 2018 وتتراجع شرقاً وتتحالف مع حفتر في يونيو الماضي.
منذ ذلك الحين، يحاول الكيش وفريقه التعرف على القتلى وفهم وادراك ما حدث في غرف التعذيب السرية في ترهونة. وآخرين منشغلون بالبحث عن الأقارب. وقد فُقد ما لا يقل عن 350 شخصاً من ترهونة منذ عام 2014، ويتساءل الكثيرون الذين لجأ معظمهم إلى شرق ليبيا، عما إذا كانوا سيتمكنون من العودة.
بالنسبة لإلهام السعودي، المؤسس المشارك ومديرة منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، فإن ترهونة ترمز لسنوات من الصراع المؤلم في البلاد: ان القوى الأجنبية تتدخل كما يحلو لها؛ والميليشيات الخارجة عن القانون لا ترى عواقب لجرائمها؛ في النهاية المدنيون هم من يدفع الثمن.
وقالت: "ترهونة تجسد حقيقة مروعة حول الصراع في ليبيا وثقافة الإفلات من العقاب.. الواقع ان الجماعات المسلحة ترتكب الانتهاكات ثم تغادر المكان...ثم يتم الضغط على الضحايا ويُجبروا أيضًا على الفرار وعليهم قبول واقع لم يختلقوه ولم يكونوا طرفاً فيه".
التزمت معظم الفصائل المتحاربة في ليبيا بوقف إطلاق النار الموقع في أواخر أكتوبر2020، وفي وبداية هذا الشهر (فبراير 2021) وبرعاية بعثة الأمم المتحدة تم التوافق على حكومة مؤقتة. لكن كثيرين يشككون في جدوى هذه الحكومة، التي من المفترض أن تمهد الطريق لانتخابات ديسمبر المقبل. وتظل الأسئلة الرئيسية، مثل من سيدير القوات المسلحة الليبية الموحدة، بلا إجابة وكذلك الدعوات إلى العدالة والمصالحة وهذا مهم في ترهونة، حيث تستمر المظالم، من جراء الصراع الأخير في ليبيا والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتلك التي حدثت اثناء الثورة ضد القذافي قبل 10 سنوات، في الغليان ويمكن أن تنفجر وتتحول إلى أعمال عنف مرة أخرى.
وقال الكيش، الذي اطلع مباشرة على النتائج المروعة لما حدث في ترهونة، "يطالب الناس بفتح تحقيق قضائي، يريدون أن يعرفوا من المسؤول عن هذه الجرائم. انهم يطالبون بالعدالة".
بالنسبة لإلهام السعودي فتقول "قبل أن تبدأ ترهونة وغيرها من الأماكن وليبيا ككل في المضي قدمًا، يجب محاسبة المذنبين على جرائمهم، وهو ألأمر الذي لم يحدث على الإطلاق حتى الآن...هناك ضغط مستمر لمطالبة الضحايا بالمسامحة والقبول اوالتعافي وأن يكونوا شجعانًا و يتخذوا الخطوات اللازمة لتحقيق المصالحة للبلاد... لكن ليس هناك نفس القدر من الضغط على الجناة لمحاسبتهم".
ماذا حدث في ترهونة:
حتى الآن، تم العثور على 139 جثة في 27 موقعًا في ترهونة، وفقًا لما ذكره كمال أبو بكر السيوي، رئيس الهيئة الليبية للبحث والتعرف على الأشخاص المفقودين. لكن الأرقام لا تروي القصة الكاملة لما حدث في هذه البلدة وما حولها، حيث الأخوان الكاني متهمون بفرض معاملة قاسية لمن عارضوا سلطتهم أو اخطأوا معهم او خالفوهم بطريقة او بأخرى.
"دفن الناس أحياء...وتم القضاء على عائلات بأكملها"هكذا يستذكر طارق إبراهيم محمد ضو العامري، وهو أب لأربعة أطفال يبلغ من العمر 48 عامًا، كما قال لصحيفة TNH إنه احتجز لأكثر من سبعة أشهر في زنزانة صغيرة في "سجن الدعم" أحد المواقع العديدة في ترهونة التي يُزعم أن الميليشيا احتجزت وعذبت الناس فيها.
واليوم، لازالت الملابس والجوارب والصور المهجورة ملقاة على أرض السجن أمام لوحة جدارية مشوهة لمحسن الكاني، أحد الإخوة الآخرين، الذي يشار إليه بسخرية "وزير الدفاع".
احدية مهجورة لزوج وزوجتة، يقول المحققون إنهما قتلا بالرصاص في مركز احتجاز للكانيات في ترهونة، ليبيا
تأسست هيئة البحث والتعرف على الأشخاص المفقودين في عام 2011، للتعرف على الرفات البشرية التي خلفها الصراع الذي أسقط القذافي والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة حكمه التي استمرت 42 عامًا. وبينما يصر أبو بكر على أن الهيئه محايدة، الا انها تلقت تمويلاً من حكومة الوفاق الوطني وكانت تابعة لحكومات سابقة. فقد أرسلت (هذه الهيئة) فريق الطب الشرعي التابع للكيش إلى ترهونة في أوائل يونيو (2020) للنظر في المقابر الجماعية المكتشفة مؤخرًا. لقد عملوا بلا توقف منذ ذلك الحين، حيث تم العثور على جثث مكدسة داخل مشرحة (غرفة لحفظ الجثث) بمستشفى محلي، وجثث تُركت في السجون، وجثث مدفونة في حقل بني محمر لم يتم بعد حفره بالكامل.
يعتقد سجناء سابقون، مثل العامري، أنهم سُجنوا بسبب الولاءات التي تعود إلى عام 2011 على الأقل. فقد حمل العامري السلاح ضد القذافي كجزء من مجموعة وجدت نفسها في النهاية متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني. وعندما انضمت ميليشيا اخوان الكاني إلى قوات حفتر، اصبح العامري وشقيقيه في مرمى نظر هذه الميليشيا.
"بين الحين والآخر كانوا يأخذون الرجال من زنازينهم ويطلقون عليهم الرصاص...كنا نسمع أصوات إطلاق النار" هكذا يتذكر العامري الفترة التي قضاها في السجن.
المهاجرون، الذين يبلغ عددهم حوالي 600 ألف في ليبيا، تم احتجازهم أيضًا في سجن الدعم، وأجبرتهم ميليشيا الكاني على القيام بمهام قدّروا أنه لا يمكن إجبار الليبيين على القيام بها، وفقًا للعامري وثلاثة مصادر اخرى.
وقال فرج الصغير، وهو من سكان ترهونة وعضو في جمعية عائلات المفقودين التي انشئت مؤخراً، لصحيفة TNH أن أحد أفراد ميليشيا الكانيات قد اعترف بأن بعض المهاجرين المحتجزين في السجن قد تم استخدامهم لدفن جثث ضحايا آخرين.
واضاف قائلاً "كانوا يسمحوا لهم بالخروج لمدة نصف ساعة، وهو وقت كاف للقيام بذلك العمل القذر، ثم يعيدوهم. لقد استغلوا المهاجرين لدفن الجثث، أو تحميل الذخيرة والكثير من المهام القذرة الأخرى".
وقال العديد من سكان ترهونة، بالإضافة إلى العامري، لصحيفة TNH إن أفراد عائلاتهم استُهدفوا بسبب معتقدات سياسية تعود إلى سنوات ماضية، أو لأنهم تحدثوا ضد الميليشيا، أو لأن لديهم أموالاً أو ممتلكات ارادها الكانيات ومقاتليهم.
وقال عبد العظيم جاب الله إن 10 من أقاربه الذكور إما قتلوا أو فُقدوا. واضاف: "لقد استُهدفوا لأنهم عارضوا الميليشيات، أو لأن أسرهم دعمت ثورة 2011. لقد كانوا يقتلون الناس ثم يصادرون أموالهم وممتلكاتهم.
الرحلة من المنزل:
بدأ الناس في الفرار عقب اندلاع الاشتباكات حول طرابلس في أبريل 2019، فغادر حوالي 200,000 شخص منازلهم في جميع أنحاء البلاد أثناء النزاع، بما في ذلك حوالي 16.000 شخص من ترهونة والمنطقة المحيطة بها. ووفقًا لتقدير عميد بلدية ترهونة الحالي، يبلغ عدد سكان المدينة نفسها حوالي 70,000 نسمة، لكن مصادر أخرى رجحت بأن العدد يقدر بحوالي 40,000 نسمة.
العديد ممن فروا من ترهونة كانوا يفرون من القتال والخطر المستمر. كقاعدة لميليشيات حفتر، كانت مدينة ترهونة هدفًا مهماً لحكومة الوفاق الوطني لاستعادتها. وعاد بعض هؤلاء السكان النازحين منذ ذلك الحين إلى ترهونة، بالرغم من عدم وضوح عددهم.
لكن آخرين غادروا مع الكانيات عندما تراجعت هذه الميليشيا إلى معقل حفتر الشرقي في بنغازي (بعد هزيمة قواته وفشلها في الدخول لطرابلس). وكان من بين هؤلاء الذين غادروا ترهونة من حاربوا مع ميليشيا الكانيات، أو يُنظر إليهم على أنهم دعموها أو استفادوا من وجود الكانيات في في السلطة.
وصرح رئيس بلدية ترهونة المؤقت محمد علي الكشر، لصحيفة TNH أن هناك حوالي 1,500 شخص من سكان ترهونة موجودون الآن في بنغازي وأجدابيا، وهي مدينة أخرى في شرق ليبيا، وهؤلاء يعتبرهم الكشر"هاربين" من العدالة وليسوا من النازحين حيث زعم تورطهم في القتل والخطف وجرائم أخرى.
ولكن مثلما تم تمييز بعض السكان من قبل الكانيات بسبب انتماءاتهم السياسية السابقة والحالية، يعتقد بعض الأشخاص الذين تركوا منازلهم في ترهونة أنهم لم يفعلوا اي شيء أكثر من اختيارهم للجانب الخطأ.
قال محمد جبريل، وهو ميكانيكي يبلغ من العمر 43 عامًا غادر ترهونة عندما استولت قوات حكومة الوفاق الوطني على زمام الأمور في منتصف عام 2020: "أشعر وكأنني غريب في بلدي". في البداية، اعتقد جبريل أن ذلك كان مجرد انتقال قصير المدى حيث طلب منه المقاتلون المتحالفون مع حكومة الوفاق الوطني اخلاء منزله لأن الصواريخ قد تسقط في المنطقة. قال: "غادرت بأشياء قليلة فقط. لم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون حتى وصلنا إلى بنغازي".
الآن يعيش محمد على بعد حوالي 1000 كيلومتر من مدينته، ولا يأمل في العودة قريبًا. قال: "أنا من عائلة موالية لحفتر". ووفقًا لأصدقاء عادوا إلى ترهونة، فإن جبريل مطلوب الآن من قبل القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي تدير المدينة.
ثم ان هناك عائلات مثل عائلة نوال الترهوني، انقسمت إلى اثنين بسبب الصراع. هربت نوال الترهوني من منزلها وسط اشتباكات العام الماضي في ترهونة وهي تأوي مع ابنيها والعديد من العائلات النازحة الأخرى في مبنى غير مكتمل في طرابلس.
وأوضحت نوال: "نصف إخوتي دعموا الكانيات؛ ونصفهم الآخر لم يدعموهم . أحد إخوتي ذهب إلى الشرق، ولم نسمع عنه منذ ذلك الحين. ما زلت لا أعرف ما إذا كان حيا أم ميتا". وقالت الترهوني إن الحرب تركت زوجها اشد مرضاً، وأبناؤها مصدومين، ومزقت عائلتها.
مهما كان سبب فرار الناس من ترهونة، فإن العودة، بالنسبة لمعظمهم ليست سهلة على الإطلاق. البعض يخشى الانتقام من قبل جيرانهم وأصدقائهم السابقين، بينما تم تأجيل عودة البعض الآخر بسبب الألغام أو دمار منازلهم بسبب الحرب.
اما أولئك الذين عادوا فوجدوا بلدة لا تملك فيها البلدية أموالاً وغير قادرة على توفير الخدمات الأساسية. مستشفى مدينة تم نهبه، وسرقت سيارات الإسعاف فيه. المنازل تعرضت للأضرار أو الدمار أثناء الحرب، ومع ترك مخلفات الألغام والمتفجرات الأخرى، يمكن أن يكون الخطر في اي مكان وحول أي زاوية. وقال الكشر لـ TNH إنه طلب أموالاً من حكومة الوفاق الوطني لتسيير الخدمات في ترهونة مرة أخرى، لكن طلباته لم يتم الرد عليها.
تأخر العدالة:
انتهى القتال إلى حد كبير، ولكن بعد الكثير من العنف، لم تكن العائلات مثل عائلة الترهوني فقط على خلاف مع بعضها البعض. لا تزال مدينة ترهونة وليبيا ككل منقسمة بمرارة.
الخوف من الوقوع ضحية لهذا الغضب هو أحد العوامل التي تدفع بأشخاص مثل جبريل للاعتقاد بأن منفاهم سيصبح دائم ولديه سبب للقلق. فخلال ثورة 2011، نزح قسراً حوالي 48 ألف شخص من بلدة تاورغاء الغربية، ومعظمهم من مجموعة عرقية تحمل الاسم نفسه، وقد اتُهموا بدعم القذافي والمشاركة في فظائع مثل الاغتصاب والقتل، بالرغم من أن معظم المهجْرين كانوا من المدنيين.
يصر المسؤولون الليبيون على أنهم يريدون محاسبة المسؤولين عن ارتكاب أسوأ الفظائع. وقال وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني صلاح الدين النمروش لـ TNH: "هناك حاجة إلى العدالة في جرائم الحرب، سواء من خلال المؤسسات القضائية الليبية أو الدولية". ولكن الحقيقة، على الرغم من هذه التعليقات والعديد من الدعوات للتحقيق أو المساعدة من المجتمع الدولي، هي أن أي عدالة مجدية تبدو وكأنها بعيدة المنال.
ولقد فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا اعتباراً من عام 2011 فصاعداً، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت أي من القضايا ستحاكم على الإطلاق. كانت هناك زيارة واحدة فقط من وفد المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر الماضي. وفي غضون ذلك، توقف تحقيق منفصل للأمم المتحدة بسبب نقص التمويل.
في الوقت الحالي، الجماعات المحلية بترهونه لا تستطيع القيام بأكثر من جمع الجثث والأدلة والحفاظ عليها بعناية؛ سواء لسجلاتهم الخاصة أو لأي محاكمات ليبية أو دولية قد تحدث في وقت ما في المستقبل وحتى هذا امر صعب.
على الرغم من أنه يتم انتشال الجثث من مقابر جماعية أو مواقع أخرى، إلا أن هيئة البحث والتعرف على المفقودين لا تملك التمويل لاختبار الحمض النووي الخاص بهم في مختبر البصمة الوراثية في طرابلس. وقال إن هناك أكثر من 6,000 جثة تم العثور عليها في جميع أنحاء ليبيا منذ 2011، لم يتم التعرف عليها.
في ترهونة، من بين 139 جثة تم العثور عليها، تم التعرف على 23 جثة فقط، وذلك عن طريق العائلة والأصدقاء الذين تعرفوا على ملابسهم أو من خلال تحديد علامات مميزة لهم. اما باقي الجثث فيحتفظ بها في مستشفيين في طرابلس حيث يتم عرض بعض المقتنيات الشخصية لهم، على أمل أن يلمح الأشخاص الذين يبحثون عن أقاربهم المفقودين ساعة أو محفظة مألوفة.
حتى في الوقت الذي يتحدث فيه السياسيون الليبيون بتفاؤل عن تشكيل الحكومة والانتخابات في وقت مبكر من شهر ديسمبر (2021)، عاد ماضي ترهونة القريب بالفعل ليطارد الحاضر، وتقريبًا لا احد هنا تفاجأ بذلك.
في أواخر يناير، بعد تشييع جنازات عدد قليل من الأشخاص الذين تم التعرف عليهم من المقابر الجماعية، أحرق السكان المحليون المحبطون /الغاضبون منازل العديد من العائلات التي يُعتقد أنها كانت تدعم الكانيات.
وحذرت الهام السعودي، من منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، من أن المضي قدمًا دون استجواب الماضي بالفعل، كما تفعله الحكومة المؤقتة الآن على ما يبدو، هو أمر خطير وببساطة ليس جيداً بما فيه الكفاية لبلد كان يعاني من الصراع المتقطع لعقد من الزمن. وقالت: "ان العملية التي لا تتضمن التدقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في صميمها، ليست عملية مناسبة لتعيين الجسم التنفيذي المقبل في ليبيا...النظام تم تصميمه من أعلى إلى أسفل كي لا يتم مساءلة الأشخاص المتورطين"
وتعتقد حنان صلاح ايضاً، وهي باحثة أولى مختصة في شؤون ليبيا في منظمة Human Rights Watch، أنه من الخطأ محاولة طي الصفحة بدون بذل جهود أكبر لتسوية خلافات الماضي. وقالت: "أدت النزاعات المسلحة المتقطعة والخلافات السياسية في ليبيا منذ 2011، إلى انهيار السلطة المركزية، وتقسيم البلاد، ومنع عمليات بناء المؤسسات، والتي بدورها كان لها في المقابل تأثير مدمر على المدنيين... العملية يجب أن تتضمن التزامًا واضحًا بالمحاسبة عن الجرائم الخطيرة ، لأن الفشل في تحقيق العدالة سيعيق آفاق السلام الدائم".
اي عدالة يجب أن تشمل أشخاصًا مثل زينب القنوطي البالغة من العمر 35 عامًا، والتي تكافح لتربية أطفالها الستة بمفردها منذ فبراير 2018، والتي تقول إن زوجها علي وشقيقه اختطفا خارج منزلهما بترهونة. وقالت زينب لـ TNH، "أحتاج للعثور على جثة زوجي، بعد أن تقدمت ببلاغ لتوثيق اختفائه لدى بلدية ترهونة"
اليوم، تعيش زينب في منزلهم المدمر جزئيًا، على الرغم من عدم وجود أثاث وليس به أي شيء آخر وتقول "يسألني أطفالي كل يوم عن والدهم، ماذا يجب علي أن أقول لهم؟ "
التقارير المحلية بدعم من فرد تم حجب اسمه بسبب مخاوف أمنية.
جميع صور من ندى حرب لـ TNH.
التعليقات الصوتية من ليندا فؤاد ومحمد علي عبد الله.
ميلانو ـ في يوم غير محدد في فبراير 1980، كانت هناك طائرة عسكرية غير مميزة تسافر بين مالطا وطرابلس وكان على متن هذه الطائرة مجموعة غريبه. أمريكي-إيطالي بيد مبتورة الإصبعين وإيطالي-سويسري ذو بشرة داكنة وشعر مجعد، ورجل اخر من بلدة Platì في مقاطعة كالابريا Calabria (في جنوب غرب ايطاليا) تم نقله إلى ميلانو، وبصره مخفي دائماً بواسطة عدسات رمادية معتمة. كان هذا هو الفريق الذي عينته الحكومة الليبية لتسوية قضية المنشقين المملة بشكل نهائي.
كان هؤلاء الرجال الثلاثة (وجميعهم مرتبطون ببعضهم البعض بشكل أو بآخر، بأعلى مستويات الجريمة المنظمة في إيطاليا) هم فرقة العمل لتصفية خمسة معارضين ليبيين في ملاجئهم في أوروبا وعبر المحيط الأطلسي. كان هناك مجرد اختلاف بسيط في الرأي حول ثمن تنفيذ هذه التصفيات لتكون الدفعة الأولى مليون أو مليوني دولار؟ - افشل العملية.
Saverio Morabito
صباح أمس، في قاعة محكمة أمنية مشددة لمحاكمات المافيا في ميلانو في ساحة Piazza Filangieri، روى أحد هؤلاء الرجال القصة غير العادية للعلاقات بين العشائر الإيطالية وحكومة طرابلس. إنه سافيريو مورابيتو Saverio Morabito، ذلك الفتى من Platì الذي أصبح تاجر مخدرات وقاتلاً محترفاً من الدرجة الأولى ثم تاب واصبح "مخبر ومتعاون مع العدالة". وقد تم القبض عليه في عام 1993 (بتهمة تهريب الهيروين وكشف عن خلفية 9 عمليات اختطاف، و 14 جريمة قتل وتهريب مخدرات). كان قد روى قصته بالفعل خلال الاستجوابات الطويلة التي أجريت خلال عام 1993 في سرية تامة أمام المدعي العام Alberto Nobili وكررها أمس بكل برود في قاعة المحكمة، أمام الأقفاص حيث يحبس فيها اكثر من 100 من الرجال الذين اعتقلتهم السلطات بناءاً على اعترفاته وقدموا للمحاكمة لما اقترفوه على مدى خمسة عشر عاماً من عمليات الخطف والاتجار بالمخدرات والقتل.
وكشف مورابيتو أن الحكومة الليبية أرادت في بداية عام 1980 توظيف مجموعة من عناصر المافية (مأجورون ومسلحون) من بين ندرانغيتا Ndrangheta (وهي منظمة إجرامية إيطالية بارزة من نوع المافيا ومقرها في شبه جزيرة كالابريا) ومافيا كوزا نوسترا Cosa Nostra (وهي منظمة إجرامية ظهرت في جزيرة صقلية بإيطاليا) وطلب منهم قتل بعض السياسيين ومعارضي نظام القذافي في مصر والولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذين كانوا يقومون بالدعاية (بروباقاندا propaganda) ضد الحكومة الليبية.
FrankCoppola
وقال مورابيتو إن الأمريكي-الإيطالي القديم الذي سافر معه على متن الطائرة الى طرابلس هو فرانك كوبولا Frank Coppola "ذو الثلاث اصابع" (وهو أسطورة عصابات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ورئيس لشبكة مافيا مقرها صقلية كانت مرتبطة بتهريب المخدرات على نطاق واسع بين إيطاليا والولايات المتحدة وقد تم ترحيله من الولايات المتحدة في أواخر الأربعينيات). وكان رفيق السفر الآخر يُدعى ميشيل امانديني Michel Amandini التائب من المافيا، وهو زعيم مافيا من اصل اثيوبي وله تاريخ إجرامي، متورط شخصيًا في تهريب الهيروين وعمليات الخطف، واصبح هو ايضاً مجرم تائب (مخبر متعاون مع العدالة) مثل مورابيتو، وأكد، بعد تزويد المحكمة بتفاصيل جديدة، "المهمة" التي كلفوا بها في ليبيا.
يقول مورابيتو إن جهة الاتصال كان عامل بناء من مدينة Pescara ولديه هواية التجسس، ويدعى فرانكو جيورجي Franco Giorgi، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالليبيين وصديق امانديني. ويضيف، لقد عرّفنا على رجل وصفه بـ "عقيد المخابرات الليبية". ثم تأتي الرحلة إلى ليبيا مع توقف في مالطا لأن رئيس الوزراء المالطي حينها "Dom Mintoff" كان صديقاً لليبيين. وفي الواقع، تم التقاط المجموعة الثلاثة الذين ليس لديهم جوازات سفر بدون الكثير من الإجراءات، من طائرة ليبية محملة بمسلحين وتم نقلهم إلى طرابلس.
ويتابع مورابيتو القول، في طرابلس استقبلنا مسلحون آخرون رافقونا إلى قرية على الساحل كان يقيم فيها مدربون عسكريون سوفييت وبولنديون. هناك عاملونا معاملة ممتازة، لكنني لم أفهم ما إذا كانت كل هذه المراقبة والحراسة المسلحة تحتجزنا كرهائن أم أنها كانت لتحمينا.
في منزل صغير، التقينا عبد السلام جلود، الرجل الليبي الثاني في نظام القذافي، الذي سلمنا حقيبة بها صور وعناوين الأشخاص المراد تصفيتهم وأسماء رجال ليبيين للتواصل معهم للحصول على الدعم في مختلف البلدان. وبالإضافة إلى الأموال، طلب Giorgi الحصول على امتيازات في إيطاليا لبيع المنتجات البترولية الليبية كما طلب امانديني منهم التدخل لدى السياسيين الإيطاليين لإطلاق سراح صديق له، وهو رئيس بلدية Platì ويدعى Domenico Papalia الذي كان محكوماً عليه بالسجن المؤبد. قالوا لنا إنهم ليس لديهم أي مشاكل لتحقيق طلباتنا لكنهم لم يقبلوا طلب دفع مليوني دولار مقابل ما سنقوم به من تصفيات، ربما لأنهم تعرضوا للخداع من قبل آخرين..
وعن مصدر اخر (il Giornale.it)، عندما اختار مورابيتو، المشهور "بقائد العيار 9" في Ndrangheta ميلانو، التوبة، أعطى اسم أمانديني أيضًا للقضاة. انتهى الأمر بأمانديني في السجن، فكر في الأمر قليلاً، ثم تاب أيضاً. وقال أشياء مدهشة. الأكثر إثارة: رحلة إلى ليبيا عام 1980 هو ومورابيتو وعرابه فرانك كوبولا للتفاوض مع المخابرات الليبية على التصفية الجسدية لخمسة منشقين عن النظام منتشرين في جميع أنحاء أوروبا. لكن جلود، الرجل الثاني لدى القذافي، عرض فقط مليون دولار، فانتهت الصفقة.
1- جلود دخل لجامعة طرابلس بساحة كلية الهندسة ومن التف حوله هم شراذم النظام وليس الطلبة الشرفاء.
2- صعد علي الطاولة متحمسا وقال لابد من محاكمة عدد من الطلبة اعتقد ان عددهم عشرون وقال لابد من الحساب ولابد ا ن اري الدماء تسيل ثم اطلق رصاصات من مسدسه في الهواء .
3- قمنا نحن في اليوم الثاني بوضع الطلبة المطلوبين تحت حمايتنا ونحن حوالي 300 طالب وقفلنا علي الغوغائيين بالمتاريس .
4- حاول شراذم النظام الذين كانوا يتكونون من جنود مسلحين ولكن بلباس مدني وطلاب من الثانويات مغرر بهم وهي عادة النظام وازلام الذين تكونت منهم اللجان الثورية الفاسدة .
5- ويقال ان هناك معسكر في سيدي المصري في حال استنفار .
6- وقفنا جبهتان متقابلتان لا يبعدا عن بعض سوي متران وكنا نهتف باسم ليبيا ليبيا وهم يهتفون الفاتح الفاتح وكنت انا شخصيا في مواجهة مباشرة معهم أي في الصف الامامي وكانت هذه اروع لحظات عمري وهبنا فيها ربي السكينة والشجاعة التي لم تكون لدينا بهذه الدرجة ونحن بعيدين عن ساحة المعركة وكنا سباقين للهجوم عليهم وطردناهم خارج اسوار الجامعة رغم عددهم الذي يفوق 5000 شخص ولكن لاختلاف ميزان القوة تم ضربنا بكل الوسائل والقبض علينا والمسير بالبعض منا في حافلة طافت شوارع طرابلس وكان هتافهم (شوف الرجعي شوف) وكان ازلام النظام يقومون بضرب الطلبة داخل الحافلة ثم زج بنا في صالة اعتقال بمركز شرطة الاوسط واتخذت ضدنا الاحكام والقرارات الجائرة
7- الصراع كان صراع سياسي وصراع وطن وهو ضرورة تملكنا لحريتنا وحرية ليبيا وهو من خلال انتخاب اتحاد للطلبة حر لا اتحاد يرضي عنه الطاغية . وليس مشكلة تدريب عسكري وهي مشكلة منفصلة عن هذا الامر وسبق فان تظاهرنا بشاءنها سابقا وتم تجميعنا باحد المعسكرات وحكم علينا بالسجن سنة ونصف مع وقف التنفيذ ونطق بهذا الحكم عبدالكبير الشريف .
8- لم يتم القبض علينا من قبل الطلبة كما ادعي جلود ولكن قوات امنية وحتي الطلبة الذين يعنيهم جلود هم مجندون ومدربو وهم مثلا عزالدين الهنشيري قائد حرس الطاغية ( والذي حدث بيني وبينه صدام مباشر اثناء فترة الاحداث) وسعيد راشد قائد القوة التي هاجمت بيت رئيس تشاد كوكني وداي وعبدالقادر البغدادي وميلاد الواسع وغيرهم.
🔷🔷🔷🔷🔷🔷🔷
مسؤول ليبي سابق يرد على جلود في الذاكرة السياسية
قدور: واهم وتائه ومزوِّر للحقائق وهذه تفاصيل انشقاقه وطلباته
رد السفير الليبي السابق في إيطاليا، حافظ قدور، في بيان خص به قناة "العربية"، على تصريحات عبدالسلام جلود، الرجل الثاني سابقاً في نظام العقيد معمر القذافي، التي أدلى بها إلى برنامج "الذاكرة السياسية"، الذي يقدمه الإعلامي طاهر بركة.
وكتب قدور في رده: "في البداية أتوجه بالشكر إلى قناة "العربية" لإتاحتها الفرصة لتوضيح بعض الأمور المتعلقة بالمقابلة المشار إليها. كما أحيي جدية قناتكم، واهتمامها بالشأن الليبي، خاصة ثورة 17 فبراير/شباط بكل دقة وموضوعية، وإن كان في بعض الأحيان يتم استغلالها من قبل بعض الضيوف في الدفاع عن أنفسهم بسرد أشياء غير حقيقية وواقعية".
جلود الشريك الأول للقذافي:
وتابع: "الليبيون كانوا ينتظرون هذه الحلقات ليضحكوا على آخر افتراءات وتزوير الحقائق من قبل المعني (جلود)، لأنهم يعرفون جيدا حقيقة دور جلود الذي كان الشريك الأول لمعمر القذافي من 1/09/1969 وعلاقته به. وإننا نأسف للمشاهدين العرب الذين صدّق الكثير منهم ما دار في هذه الحلقات، حتى بعد انسحابه من الحياة السياسية الليبية، وحقيقة الأمر أن جلود كان يتمتع بكل ميزات الشخص الثاني في ليبيا، حيث إن كل مصروفاته كانت تدفع من ميزانية الشعب الليبي، متمثلة في رحلاته الخارجية هو أسرته سواء العلاجية أو السياحية، وكذلك تمتعه بحراسات أمام بيته، وفي تحركه وتجواله".
وواصل السفير الليبي السابق: "جدير بالذكر هنا الإشارة إلى حادثة إصابة إحدى الليبيات، خيرية بوزخّار، برصاصة في رأسها سببت إعاقتها إلى هذا اليوم، وما زالت الرصاصة برأسها، وذلك عندما أخطأت في الطريق بالمرور أمام بيته في السنوات القليلة الماضية. أيضا كان جلود يتقاسم جزءا مهما من مصيف طرابلس مع أحد أبناء القذافي، وكان يمنع منعا باتا حتى مجرد القرب من المصيف على مرأي ومسمع الجميع".
وتعرض قدور إلى موضوع خروج جلود من ليبيا، وهو ما لا يعلمه الكثير من الليبيين، قائلا: "في شهر أغسطس/آب 2011، قبيل تحرير العاصمة طرابلس، أبدى جلود رغبة في ترك ليبيا عن طريق أحد حرَّاسه، فتم الاتصال بشخص يدعى، محمد بشير الطوطي، وهو أحد أقارب الحارس الشخصي له، والذي كان في تونس، وإبلاغه أن جلود يريد مغادرة ليبيا، وأن شرطه الوحيد مساعدته في الظهور والتحدث إلى وسائل الإعلام.
اتصل الطوطي برئيس المكتب التنفيذي الدكتور محمود جبريل وقابله في بنغازي برفقة سعد نصر. إثر ذلك أبلغني الدكتور جبريل بأن سعد نصر سيصل إيطاليا طالبا مني التنسيق معه بشأن موضوع جلود، وأنه – الدكتور جبريل – اتصل بإحدى دول أعضاء الناتو لإمكانية خروج جلود بحرا، إلا أن عمليتين باءتا بالفشل، لأن القطعة البحرية، التي تتبع إحدى دول أعضاء الناتو، اشترطت عدم الدخول إلى المياه الإقليمية، وأن يصل إليها جلود من شاطئ قرية اسمها سيلين بمدينة الخمس على متن قوارب مطاطية يتم تزويدها إلى أحد رجاله عند وصوله القطعة البحرية عن طريق قارب صغير، إلا أن جلود اشترط أن تكون كل أسرته معه وعددهم ثلاثة عشر فردا".
وأضاف قدور: "بعد فشل هاتين المحاولتين، قال جلود: لا أستطيع البقاء، وأريد المغادرة، ولي عديل قادر على تأمين رحلتى إلى الزاوية ثم تقومون أنتم بتأمين رحلتي إلى مدينة الزنتان الجبلية. وتم فعلاً تأمين رحلته من الزاوية إلى الزنتان بمتابعة الدكتور جبريل وإشراف الطوطي إلى حين وصوله الزنتان، إلا أنه لم يتم إبلاغ المسؤولين في الزنتان بالعملية، ولذلك أوقفوه مدة ساعات إلى أن تدخل المكتب التنفيذي وعالج المشكلة، حيث اعتقد الثوار أن جلود فر دون التنسيق معهم".
Libya's defected ex-prime minister Abdessalam Jalloud (R) reacts as he arrives prior to a press conference at the Foreign Press association in Rome on August 25, 2011.
AFP PHOTO/ VINCENZO PINTO via Getty images
وقال السفير الليبي السابق: "بعد وصول جلود إلى "ذهيبة"، المعبر الحدودي مع تونس، استقبله أخوة من قطر وأوصلوه إلى مطار جربة، حيث كانت تنتظره طائرة مؤجرة سافر على متنها إلى إيطاليا، التي وصلها في الساعة السابعة والنصف صباحاً، بدلا من الموعد المقرر وهو العاشرة ليلا (الليلة السابقة). في تلك الأثناء كنت وسعد نصر وصديق لنا، أحمد الشركسي، بانتظاره في مطار روما، حيث وصل جلود وأسرته برفقة الطوطي. واتخذت الإجراءات الخاصة باستصدار التأشيرة من قبل السلطات الإيطالية، وتمت استضافته في مكان خارج روما، إلا أننا فوجئنا في اليوم التالي بأن إقامته لا تعجبه، وأنه يرغب في الإقامة داخل روما، وتم الحجز له بإحدى الفنادق على حساب السفارة الليبية بروما بعد تشاور مع رئيس المكتب التنفيذي، ونُظم لقاء له مع قناة الجزيرة، وهذا متعارف عليه عند وصول أية شخصية ليبية غادرت ليبيا أثناء الثورة".
وأضاف: "بعد ذلك، طلب جلود أن يتحدث عبر الهاتف إلى المواطنين بساحة المحكمة ببنغازي، فقلت له هذا مستحيل، وأنت شخص مكروه من قبل الليبيين، والثورة قامت ضدكم، فردَّ علي قائلا: لا، الشعب يحبني وأريد أن أكوِّن حزبا. وبدأ في الاتصال يومياً بالدكتور جبريل وعبدالرحمن شلقم، الذي كان يتابع من اللحظة الأولى خروجه من ليبيا عن طريقي، دون جدوى".
وواصل: "لاحقاً، قال لي جلود: أريد أن أقابل الدكتور جبريل وعبدالرحمن شلقم في قطر وكذلك أمير قطر. أبلغت رئيس المكتب التنفيذي بهذا، فقام بالتنسيق مع الأخوة في قطر، وذهبنا معا إلى هناك، حيث كان في انتظارنا بالفندق رئيس الديوان الأميري، عبدالرحمن العطية، وعبدالرحمن شلقم، وانضم إلينا بعد ذلك الدكتور جبريل، وكان هذا اللقاء محرجاً لنا جميعا، حيث لم يترك لنا أي فرصة لمشاركته في الحديث، وكان يقاطع العطية كلما أراد الحديث، طبعاً غضبنا من موقفه، وقررت أن أتركه في الدوحة، وسافرت في اليوم التالي والدكتور جبريل وشلقم إلى باريس، وتركناه لدى الأخوة في قطر، ومكث بها ثلاثة أو أربعة أيام، ورجع بعد مقابلة الأمير.
كما أجرى تلفزيون "ليبيا الأحرار" مقابلة معه بناء على تدخل من شلقم.
وقال: "عند رجوع جلود إلى روما، اتصل بي، وقال إنه يريد مقابلة سفراء كل من أمريكا وكندا وفرنسا وأستراليا وألمانيا وبريطانيا، وأن أخصص له موظفا من السفارة ليكون معه باستمرار. حضرت إلى الفندق الذي حجز له من قبل السفارة ودفعت فاتورة إقامته، وبعدها قابلته بالفندق، وواجهته قائلا: "إن الليبيين يلوموننا لأننا نستقبلك ونعطيك فرصة التحدث في الإذاعات المرئية عن طريقنا، وهم منزعجون من كلامك، ويعتبرونك المسؤول عن أحداث السابع من أبريل/نيسان، وتشكيل اللجان الثورية، فقال: لا، الليبيون يحبونني وسأشكل حزبا. وهنا قلت له: "نحن جزء من الثورة ومع المكتب التنفيذي، ولا أستطيع أن ألبي طلباتك، وعليك بتحمل كافة مصروفاتك. وكان هذا قرار شخصي مني لأنني فهمت أن هذا الشخص إنسان تائه، وأبلغت الدكتور جبريل وشلقم بما حصل، وقرر كذلك عدم الرد عليه هاتفيا لأنه كان واهما".
وختم السفير السابق بيانه قائلا: "يجب التأكيد على أننا لم نستعمل جلود، ولكن خروجه من ليبيا كان تشجيعا لمن كان حول القذافي بالهروب والانشقاق وعدم الوقوف معه، بعد خروج رفيقه وصديقه وشريكه الأول في كل ما حدث في ليبيا طيلة هذه السنوات".
وفيما يلي حادثة شاهدتها في السابع من نيسان (أبريل) 1971م
كنت في صباح ذلك اليوم وبعض الزملاء من التدريسيين في / كلية العلوم / الجامعة الليبية (الفاتح / حالياً)، نتأهب للذهاب الى قاعات المحاضرات عند الساعة التاسعة صباحاً، وفجأة سـمعنا ضجيج وهتافات تمجد بثورة الفاتح مثال ذلك ترديد اسم الفاتح لعشرات المرات هكذا...(الفاتح،..الفاتح،..الفاتح،..)، فهرع البعض منا وتخلف البعض الآخر، خوفاً أو تجنبا من التعرض لأي مكروه،.... وما ان وصلت مع زميلي الدكتور علي قطريب، السـوري الجنسية (دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من فرنسا)، واذا بنا امام حشود هائلة من طلبة الثانويات يتقدمهم الرائد عبدالسلام جلود (الرجل الثاني في الضباط الأحرار)، وهو يطلق من مسدسه طلقات نارية في الهواء! وطلبة الثانويات ورجال الأمن من حوله يهتفون للفاتح وللعقيد معمر القذافي،وهو يصرخ ويحثهم للهجوم على مبنى القسم الداخلي (المبيت) لطلبة الجامعة، الواقع خلف ابنية كلية العلوم، والذي اصبح بعد سنوات مركزاً لأدارة جامعة الفاتح.
وبعد لحظات تم الألتحام بين طلبة الثانويات المهاجمين بقيادة عبدالسلام جلود وطلبة الجامعة المعتصمين في دهاليز البناية، ثم دارت معارك كـر وفـر بالعصي والحجارة بين بلطجية النظام وطلبة الجامعة، واذكر جيداً احد المناظر المزرية،عندما اصـيب احد طلبة الثانوية بعينه اليمنى والدماء تـسـيل منها بغزاره وهو يصرخ بألم شديد كالطفل الرضيع،فألتف من حوله زملاءه وسـحبوه جانباً لأسعافه، ثم تم نقله بسيارة احد الطلبة لمستوصف الجامعة! شعرنا نحن الأساتذة المغتربون بخطورة الموقف، وهرعنا نحو موقف السيارات وتمكنا من الصعود في سيارة احد الزملاء واتجهنا الى غابة في اطراف بناية كلية العلوم،.. وبعد ان علمنا بهدوء الحالة، ثم نقل كل فرد منا الى منزله، وتركنا سياراتنا في الساحة المخصصة لها في كلية العلوم.
وفي اليوم التالي علمنا ان ما حدث أطلق عليه: حركة السابع من ابريل لطلبة ثورة الفاتح من سبتمبرضد طلبة الجامعة المناوئين للثورة،.. ثم صار ذلك التاريخ من اشهر المناسبات بعد الفاتح من سبتمبر! كل قارئ يرغب في معرفة السـيناريو الحقيقي لتلك المعركة، والأعدامات التي تلتها لطلبة ابرياء من دون اي محاكمة، بذنب عدم أعلان ولائهم للقائد العقيد معمر والسير في نهج نظامه، ..وأن المنشورات والمواقع الألكترونية مفعمة بأسماء الذين اعدموا بعد ايام وظلت هذه الذكرى يـغـذيها نظام القذافي بأعدامات جديدة من المعارضين بشكل علني لغاية 1986 ثم اصبحت سرياً! وعلى اية حال، أرجو ممن يرغب بمعرفة تلك الأسماء، عليه ان يكتب في موقع غوغل باللغة العربية الجملة التالية: (حركة الطلاب في السابع من ابريل 1971م.)، وسوف يجد العجب!
في مثل تاريخ هذا اليوم – 38 عاماً مضت -، الأربعاء السادس من أبريل 1976، مع فترة الظهيرة على وجه التقريب، يصل عبد السلام اجْلود عند بوابة الساحة المعروفة بساحة كلية الهندسة " ساحة الشهيد محمد مهذب حفاف "، بعد ثورة السابع عشر من فبراير . ما أريد أن أؤكد عليه هو إستعمال اجْلود لمسدسه الذي كان في حوزته في عملية إطلاقه للرصاص عند هذه النقطة "بوابة ساحة الشهيد محمد مهذب حفاف". إذ كنت ومجموعة من زملائي الطلبة على بعد أمتار من هذا الموقع، أمام مسرح كلية العلوم المطل على الساحة، وشهد الجميع هذه الواقعة وبكل وضوح.
يتخطى اجْلود ومرافقيه، بعد ذلك، حاجز البوابة الخشبي في إتجاه كلية الهندسة، ويبدأ الجمع الثوري " بالمفهوم الإنقلابي " في الهتافات المعتادة، والتي عانينا منها على مدى فترة الحكم الإنقلابي.
تركت ومن معي هذه المسرحية، عند حوالي الساعة الثالثة، وتوجهنا إلى الميدان البلدي بمدينة طرابلس لحضور مباراة في كرة القدم، والتي جمعت فريقي كلية العلوم وكلية الزراعة، في إطار الإستعداد للأسبوع الجامعي "أسبوع رياضي فني ثقافي تشارك في أنشطته كل كليات جامعتي بنغازي وطرابلس، وكان يقام كل سنتين" والذي كان مزمعاً له أن يقام بطرابلس في تلك الفترة، تحت إشراف كلية الزراعة.
حدثت بعض المستجدات من بعد مغادرتنا للحرم الجامعي، والتي وصلتنا أخبارها ونحن في الميدان البلدي، كان أهمها إصدار الجمع الثوري بقيادة اجْلود لقائمة تتكون من 25 طالباً " يمثلون اليمين الرجعي المتعفن والذي كان يُعيق مسيرة الثورة! " حسب زعم الجمع. وطُلب من هؤلاء الإعتذار أمام اجْلود حتى يُسمح لهم بمواصلة درستهم؟!
تتوالى الأيام وتُشكل اللجان الثورية بقرار رسمي، ويتحمل اجْلود عبء وضع حجر الأساس وبدايات التكوين لهذه اللجان وقيادتها بحرفية تامة! وينتهي اجْلود ويُركن جانباً حتى إطلالة الربيع العربي وثورة فبراير، وحاول البعض بعث الحياة في هذا الشخص الميت سياسياً من جديد، بل حاولوا إسناد دور له في هذه الثورة؟!
ويُهرب اجْلود "بأيدي ليبية صرفة ! حسب تصريحات الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي". بدأت عملية التهريب هذه من العاصمة طرابلس، مروراً بورشفانة والزنتان والشقيقة تونس وانتهت بنجاح في روما، حيث تم إجتماع اجْلود بأرصدته المهربة بسلام.
يظهر اجْلود على شاشات الفضائيات وفي أكثر من مناسبة، كانت أخرها على شاشة " العربية "، وفيها تطرّق إلى " يوم الأربعاء، السادس من أبريل 1976 "، لكنه وكعادته أصرّ على الكذب وتحريف الحقائق.
لم
يكن الانتربول مطلوباً لجميع كبار المسؤولين السابقين في نظام القذافي.
يبدو أن عبد السلام جلود، الرجل الثاني سابقًا في طرابلس، قد أبقى مداخله
في دوائر اقتصادية معينة.
عبد السلام جلود، الرجل الثاني في نظام
معمر القذافي الليبي قبل ان يتم تهميشه (نسبياً) في أوائل التسعينيات، يحب
الطعام الجيد. قيل إنه لجأ إلى روما منذ انشقاقه في أغسطس 2011. هذا صحيح،
ولكن هذا لا يمنعه من السفر. ففي منتصف أبريل 2012، شوهد في مطعم
للمأكولات الشهية والمشروبات الفاخرة في فندق Shangri-La hotel، شارع
avenue d'Iéna، في الدائرة 16 من باريس. مرتديًا الجينز وسترة جلدية، تناول العشاء، ليس متخفيًا حقاً بصحبة رئيس قطاع الرفاهية
الفرنسي ومعاونه ويتذوق قائمة الطعام والنبيذ الفاخر في البرنامج.