المسماري: لأربعة ضباط بينهم السنوسي دور في تصفية الصدر ورحلة التضليل… يستيقظ القذافي ويقول لي هاتِ العبد ويقصد الرئيس الأفريقي الزائر!
لو قرأتُ هذا الكلام في رواية لما صدّقته ولاتهمتُ الكاتب بالمبالغة وجموح الخيال. لكن المتحدث هنا يروي ما شاهد وما سمع. وهو كان حاضراً قرب الخيمة وفيها وقرب باب العزيزية وفيه. وكان ايضاً في طائرة معمر القذافي ولقاءاته وأسفاره وعلى مقربة من فمه وأذنه. وفي مؤتمرات القمة كان يجلس خلف القائد، جاهزاً لتلقي التعليمات ومستنفراً لحل الإشكالات وهي كثيرة… وفظيعة.
من 1997 حتى 2010 عمل نوري المسماري أميناً لجهاز المراسم العامة برتبة وزير دولة، وكان عمل بين 1977 و1982 مديراً عاماً للمراسم. وفي الفترة الفاصلة بين التجربتين عمل في التجارة.
ترك المسماري سفينة النظام في 2010 وكان أول من جاهر بانشقاقه لدى اندلاع الثورة في السنة التالية. رصد القذافي 50 مليون دولار لإعادته، وجهّز له حوضاً من ماء النار لكنه نجا.
تكشف رواية المسماري علاقة عبدالله السنوسي عديل القذافي بجريمة إخفاء الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان أواخر آب (أغسطس) 1978، أو على الأقل مشاركته في إخفاء الجريمة، كما تشير الى متورطين محتملين. وتتضاعف قيمة الرواية لأن موريتانيا وعدت بتسليم السنوسي الى السلطات الليبية على رغم مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسلمه لمحاكمته.
تكشف الرواية أيضاً أسلوب القذافي الغريب في التعامل مع الدول وزعمائها، وتقدم صورة عن رجل سادي لا يتردد في اغتصاب الزائرات والتحرش بزوجات رؤساء وبوزيرات. ويتحدث المسماري عن حالتين صارختين تعرضت فيهما زائرتان لاغتصاب وحشي. ولأسباب قانونية أو إنسانية ستكتفي «الحياة» بنشر الأحرف الأولى أو إغفال الأسماء في محطات شخصية أو أمنية.
بعد روايات عبدالسلام جلود وعبدالمنعم الهوني وعبدالرحمن شلقم وعلي عبدالسلام التريكي، تفتح «الحياة» دفاتر ذاكرة نوري المسماري. وهنا نص الحلقة الأولى:
بأي كلمة تفتتح هذا اللقاء؟
أترحم على شهداء الثورة الليبية الذين حملوا ارواحهم على اكفهم من اجل حرية الشعب الليبي وتخليصه من الطاغية. كما اشكر افراد اسرتي الذين تحملوا العذاب والسجن من احفاد الى ابناء الى زوجتي الى كل من له علاقة بي، وكل من لاقى ويلات العذاب من الطاغية بسبب انشقاقي عنه. وأتقدم بجزيل الشكر والعرفان الى الملك عبدالله الثاني وشعب الأردن وحكومته لما قدموه الى الشعب الليبي من مساعدات واعتراف بالمجلس الانتقالي، من دون اي اجندات خفية.
هل رأيت الإمام موسى الصدر يدخل مقر القذافي أواخر آب (اغسطس) 1978؟
– كلا، كنت حينها مدير المراسم بالوكالة وكانت إدارة تابعة للخارجية وليست جهازاً مستقلاً. كان مديرها أحمد أبو شاقور في مهمة خارج البلاد وحللتُ مكانه بالوكالة بصفتي رئيس التشريفات، وكانت حركتي محدودة في الرئاسة.
حدث شيء لم أقدّر في حينه أهميته. اتصل بي عبدالله السنوسي وكان يومها ضابطاً صغيراً في إدارة الاستخبارات الحربية، ومكتبها في شارع الشط وتعمل برئاسة النقيب عبدالله الحجازي. طبعاً، هذه رتبته آنذاك، وهو ممن كان معمر القذافي يسميهم «الضباط الأحرار». سألني السنوسي هل من الضروري ان تختم السلطات الإيطالية جواز سفر من يريد الدخول الى اراضيها؟ أجبت طبعاً لا بد من ختمه فهذه هي القواعد المعمول بها في أي دولة. أنهى المكالمة.
كلّمني السنوسي لاحقاً وقال لي: سأرسل لك جوازات سفر والمطلوب تأمين تأشيرات لأصحابها الى إيطاليا.
أعتقد أن الجوازات كانت ثلاثة، نتكلم عن واقعة حصلت قبل أكثر من ثلاثة عقود. أتاني جندي أرسله السنّوسي وأعطاني الجوازات. لم يكن لديّ ما يدفع الى الشكوك، لكنني فتحتُ الجوازات ووجدتُ في واحدٍ منها أنه للإمام موسى الصدر، رحمه الله. لم تعلَق الأسماء الأخرى بذاكرتي لكنني أتذكر اسم الإمام لأنه شخصية معروفة. اتصلتُ بالسفير الإيطالي وقلتُ اننا نريد تأشيرات لضيوف عندنا فأبدى ترحيبه. أرسلتُ الجوازات ولكن سرعان ما اتصل بي السنوسي مجدداً يسأل هل انتهت. قلتُ له إن الأمر يحتاج بعض الوقت وسأرسلها إليك فور إعادتها إليّ. أعاد لي السفير الإيطالي الجوازات مع التأشيرات فأرسلتها إلى عبدالله السنوسي. لاحقاً سمعتُ عن اختفاء الإمام الصدر فبقيت الواقعة في ذاكرتي، خصوصاً ان السنّوسي هو مَن أرسل الجوازات.
الصدر لم يدخل إيطاليا ولا علاقة لها بمصيره لا من قريب ولا من بعيد. المعروف ان شخصية مثل الصدر يمكن ان تحظى باستقبال خاص، بمعنى أن تُستقبل رسمياً في صالون في المطار ويتولى موظف إحضار الجوازات بعد ختمها، لكن الأكيد ان الصدر لم يتوجه إلى إيطاليا بل توجّه من ادعى انه الإمام موسى الصدر. ولا يزال عالقاً بذاكرتي أن ضابطاً في الاستخبارات اسمه موسى من منطقة صبراتة، ولا أتذكر عائلته، كانت له علاقة بعبدالله السنوسي، وكذلك بالشخص الذي ألبسوه ثياب الصدر وأرسلوه بسبب طول قامته وتشابه الملامح.
إذاً، أرسلوا ضابطاً في المهمة؟
– نعم، ضابط في الأمن الداخلي برتبة عقيد. كان الرجل قبل انقلاب القذافي في 1969 مدير مكتب وزير الداخلية أحمد عنسف في العهد الملكي. وقد حُوِّل بعد تولي القذافي الى ما يُسمى المباحث العامة التي تغيّرت وأصبحت جهازاً بمفردها هو الأمن الداخلي وكان الرجل عقيداً.
لماذا وقع الخيار على هذا الضابط؟
– لأنه طويل القامة وملامحه مشابهة. وهكذا دخل والأرجح ان الموظف الإيطالي الذي يختم الجوازات لا يرى عادة صاحب الجواز إذا كان استُقبل في صالون للضيوف، والأرجح ان يتولى ديبلوماسي من السفارة الليبية نقل الجواز من الموظف الى صاحبه. هنا حصل شيء لافت، لقد تُرِكَت الجوازات ومعها سجادة صلاة الإمام في الفندق. تُركت عمداً، فما الحكمة أساساً من ترك الجوازات إذا كانت حصلت عملية خطف بقصد الاغتيال؟ الحقيقة انها تُركت للقول إن الصدر غادر ليبيا ودخل إيطاليا واختفى هناك.
أكرر القول وللأمانة ان الإيطاليين أبرياء من هذا الموضوع ولا علاقة لهم بإخفاء الصدر. كل ما في الأمر انهم تعرّضوا لخديعة، إذ دخل ثلاثة أشخاص بجوازات سفر ثلاثة آخرين ثم عاد من دخلوا بجوازات ديبلوماسية ليبية. الضابط الذي شارك في العملية كان يحرص دائماً على أن يُسافر بجواز سفر خاص، خوفاً من أن يتعرض لشيء.
ما اسم هذا الضابط؟
– أعتقد ان اسمه م.أ.
ماذا كانت رتبة عبدالله السنّوسي؟
– لا أذكر بالضبط، ملازم أول أو ملازم ثانٍ.
هل تعتقد بأن الصدر قُتل فوراً؟
– لا أملك معلومة أكيدة من شخص كان حاضراً. تردد أنه قُتل، أي تعرّض لعملية تصفية.
ما هي الرواية التي شاعت؟
– أعتقد بأن لرجلين علاقة بالقتل، هما العقيد ف.أ.غ. والآخر ت.خ. الذي كان اخيراً رئيساً للأمن الداخلي وكان وقت الحادثة ضابطاً في الجيش. هذان لهما علاقة ويعرفون ما حصل وطبعاً عبدالله السنوسي بينهم.
تعتقد إذاً بأن للسنوسي علاقة بما جرى؟
– نعم لعبدالله السنوسي علاقة وإلا لماذا أرسل يطلب التأشيرات ويستعجلها.
هل تعرف أين دُفنوا؟
– كلا، لا أعرف. لقد فرم القذافي كثيرين وضاعت آثارهم.
مثل مَن؟
– لائحة طويلة. أنا شخصياً أُبلِغتُ انه كان يُجهِّز لي حوضاً من ماء النار ليغرقني فيه فور عودتي.
من أبلغك؟
– ابلغني علي ابو جازية وهو كان من المقربين جداً. كانت له علاقة باللجان الثورية وكان وزيراً للإعلام، وخلال الأحداث كان مقرباً جداً من القذافي، وانشق لاحقاً.
ماذا قال لك؟
– قال لي: كُتبَ لك عمر جديد. أنا أخفيتُ عنك شيئاً كي لا أزعجك والآن بعدما انتهى الرجل سأقوله لك. كان القذافي يجهز لك حوضاً من ماء النار لاستقبالك فيه فور عودتك، وكما يقال الحجة على الراوي. التقيت موسى كوسا في الدوحة وتكلمنا. قال لي انت مرحب بك في الدوحة، وبدا كمن ينقل عرضاً رسمياً لاستضافتي. أجبتُ انني موجود في الأردن بضيافة جلالة الملك عبدالله الثاني ولن أتحرك وشكراً لك. عندها قال لي: يا نوري انتبه لأن القذافي كان مستعداً لدفع 50 مليون دولار ليأتوا بك حياً. هذا قاله لي موسى كوسا وعلي ابو جازية، وليس غريباً على أسلوب القذافي.
لماذا توليت تسليم عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة الفحيمة المتهمين يومها بتفجير طائرة «لوكربي»؟
– حصلت موافقة ليبية على تسليمهما. شُكلت لجنة برئاسة عمر المنتصر وكان وزير الخارجية آنذاك، وموسى كوسا بصفته جهة أمنية وأنا بصفتي من الناحية المراسمية. وصلت طائرة عليها شعار الأمم المتحدة ونزل منها جنود مسلحون وكلاب بوليسية. قلت لهم هذا مرفوض، هذه أرض ليبية ولها سيادة، انا لا دخل لي بالقذافي ولكن هذه بلدي كونكم تنزلون بسلاحكم على المطار وبكلابكم البوليسية، فهذا ليس من الأمم المتحدة. انتم جيش، واتضح لي انهم قوات مسلحة من ايطاليا فرفضت، لا المقرحي ولا الفحيمة سيسلم اليكم قبل ان تصعدوا الى الطائرة. تدخّل عمر المنتصر وقال لي يا نوري سلمهم، فقلت له هذا غير مقبول على الاطلاق. سألتُ مندوب الامم المتحدة هؤلاء ماشيين طوعاً ام مقبوض عليهم؟ وجهت السؤال الى فحيمة والمقرحي فقالا نحن نذهب طوعاً. قلت يمكن اذاً ان نصعدهما الى طائرة مدنية لغاية وصولهما الى مطار نيويورك او لاهاي او امستردام. قلت اعتبروا هذه الطائرة مدنية ونحن الذين طلبنا طائرة الأمم المتحدة كضمان لهما وإلا يمكن ان يسافرا على متن طائرة مدنية بتذاكر سفر عادية وحين يصلان الى مطار امستردام يسلمان نفسيهما، ولماذا هذه الأغلال لشخص بادر الى تسليم نفسه، أنا أعترض، على الأرض الليبية من دون أغلال ومن دون حرس، في الطائرة افعلوا ما تشاؤون. فاتفقنا على هذا وطلبوا أن يفتشوهما فلم يكن لديّ مانع وفتشوا الحقائب وصعد المقرحي والفحيمة الى الطائرة.
هل كان صعباً على القذافي تسليم الفحيمة والمقرحي؟
– قضية لوكربي شائكة ومعقدة، يخالطها شيء من الغموض. في موعد حدوثها كنت خارج الدولة. ليست لديّ رواية قاطعة وما اذا كانت العملية من صنع طرف واحد ام اكثر. تعرضت ليبيا بسبب حادث التفجير لضغوط هائلة.
هل تعتقد بأن القذافي ارتكب «لوكربي» رداً على الغارات الأميركية على ليبيا في 1986؟
– هناك غموض في منطقة ما، لا اريد ان أدّعي انني اعرف ملابسات هذا الموضوع.
لا أتخيل انك ستقول الشيء ذاته عن تفجير طائرة «يوتا» الفرنسية فوق النيجر، والتي صدرت فيها أحكام ضد مجموعة بين افرادها عبدالله السنوسي.
– هذه مختلفة، لسعيد راشد وعبدالله السنوسي علاقة بها وهذا لا يختلف عليه اثنان.
سعيد راشد الذي قُتل اثناء الثورة؟
– نعم، قتل هو وابنه في باب العزيزية برصاص جماعة خميس نجل القذافي.
لماذا فجّروا هذه الطائرة وهل صحيح انهم اعتقدوا بأن المعارض محمد المقريف بين ركابها؟
– لها علاقة بذلك، ولها علاقة بالحرب في تشاد. اعتقدوا بأن الطائرة تقل شخصيات تشادية بينها حسين حبري.
قمتَ لاحقاً بتسليم الممرضات البلغاريات اللواتي اتُّهِمن مع طبيب من اصل فلسطيني بحقن اطفال بالايدز…
– حين أتت سيسيليا ساركوزي (الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي) كنت ضمن فريق المحادثات مع سيسيليا والوفد المرافق لها. أتت كوساطة لإطلاق الممرضات، وأصبحت هناك مفاوضات بين سيسيليا والبغدادي المحمودي وطرف ليبي آخر. دخلنا في نقاش لا نهاية له، وكنا نستمر فيه حتى الثانية أو الثالثة فجراً. كانت سيسيليا حادة واصطدمتُ بها مرات، وفي النهاية جهّزنا أنفسنا في المطار وحضر مدير الإدارة القانونية ومدير الإدارة الأوروبية في وزارة الخارجية الليبية، وكانت طائرة الرئاسة موجودة وسيسيليا ساركوزي تريد تسلُّمهنّ، فما المبرر كي تتولى زوجة رئيس دولة استقبال سجناء أُفرج عنهم. حاول مسؤول فرنسي تهدئتي فرفضت. أثناء ذلك كان البغدادي ووزير الداخلية الليبي يشاركان في نقاش على أساس تسليم الممرضات وطلبا 450 مليون دولار فحصل تعهد من دولة قطر، أعتقد من طريق السيد حمد بن جاسم (بن جبر آل ثاني) رئيس الوزراء وزير الخارجية.
هل دفعت قطر؟
– أعتقد انها دفعت ولعبت دوراً في الدفع نيابة عن فرنسا. قلت لسيسيليا لا يمكن ان تستقبليهن تحت الطائرة، تماماً مثلما حصل مع الأمم المتحدة. أتى بهن ضابط من الأمن المركزي وطلب دخولهن فقلت لهن لا يمكن فكلّمني البغدادي وقال لي يا أخي أدخلهن فقلت له لا يمكن، كنتُ أريد كسب الوقت لأنه يمكن البني آدم الذي اسمه القذافي ان يغيِّر رأيه. فأتى سفير البرتغال الذي كانت بلاده ترأس الاتحاد الأوروبي وكانت مسؤولة الأمن في الاتحاد ومندوبة الاتحاد وسفير بلغاريا وسفير فلسطين الذي كان (موجوداً) بخصوص الطبيب الفلسطيني. قلت نحن سنسلم للاتحاد الأوروبي وهذا مسجل بالتلفزيون. وجّهتُ كلامي لسفير البرتغال وقلت له هل لديك علم بهذا الشيء، فقال: لديّ علم بذلك وأشهد بذلك. قلت للوزير البلغاري: ضمن الممرضات هناك طبيب فلسطيني لديه الجنسية البلغارية يطالب بالمغادرة معهن الى بلغاريا، فقال نعم، واتجهت الى الفلسطيني فوافق. بعد ذلك انقلب القذافي واتخذ اجراءات بينها حسم راتب شهر للبغدادي المحمودي وشهر سجن وقطع راتب لرجب المسماري وزير الداخلية الذي أُبعِد لاحقاً عن الوزارة.
لماذا؟
– هذه ألاعيب القذافي. احتجَّ وقال أنا لم أقل هذا وأنتم تسرعتم.
وأنت هل اتخذ في حقك إجراء ما؟
– لا.
كيف كانت علاقة القذافي بساركوزي؟
– جيدة.
هل صحيح انه دعم حملته الانتخابية؟
– للأمانة لم اشاهد ذلك، لكنني سمعت هذا الحديث.
ما المشكلات التي كنت تواجهها كمدير للمراسم مع زعيم بمزاجية القذافي؟
– كان يعطي مواعيد ومقابلات على مزاجه، وحين ينهض من النوم كان يقول هاتوا لي الرئيس الفلاني.
كان يتصرف وكأنه رئيس الرؤساء وأن من حقه استدعاءهم ساعة يشاء، وأن من واجبهم ان يلبوا. كنا نواجه صعوبات وإشكالات لا حد لها ونحاول معالجتها والتغلب عليها. استفزت الطريقة رئيساً افريقياً فقال لي: انا ايضاً رئيس دولة مثل رئيس دولتك.
كان القذافي يحب احتقار الرؤساء وإذلالهم. تصوّر أنه كان يقول لي هات العبد وقصده رئيس الدولة الأفريقية الذي يستعد لمقابلته. وحين يغادر الرئيس، يقول (القذافي) ذهب العبد اعطوه شيئاً.
هل كان يحتقر الأفارقة؟
– نعم كان يحتقرهم. حتى الذين كان يطرب في داخله لمجاملاتهم او تزلفهم كان يصفهم بالأغبياء. كان يعبّر عن اسلوبه الاستعلائي باختيار موقع الزائر وتمييز موقعه الشخصي وكرسيه وطريقة جلوسه. عقدة التميز عن الآخرين لازمته في استقبالاته وحتى في أسفاره، وكان عليَّ ان أتوقع دائماً هذا النوع من الإشكالات. أقنع نفسه بأنه ليس رئيس دولة اي أنه أكبر من رئيس دولة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس. كان يقول أنا لستُ رئيس دولة وأريد ان اجلس على كرسي لوحدي. أتذكر في قمة في قطر، كان يريد الجلوس في زاوية لوحده وليس بين الرؤساء. طبعاً هذا الطلب مستحيل. القطريون لم يقبلوا.
كان يطلب ان يأتي إليه رئيس ما وحين كنا ندعو المعني ولا يستطيع بسبب انشغاله بشيء ما، كان القذافي يتهمنا بأننا لم نوصل الدعوة. وكان يقول لماذا لم يأتِ، أنا معمر القذافي. لا يستطيع أن يصدق انه عرض على رئيس ان يستقبله ولم يسارع الأخير الى إلغاء كل مواعيده لاغتنام الفرصة. وبسبب غروره، وربما لتفادي الإحراج امام المحيطين به كان يتهمنا بعدم ايصال الدعوة.
هل تذكر حادثة معينة؟
– حوادث كثيرة من هذا النوع. مرة مع رئيس مدغشقر عام 1980 كان هناك مؤتمر القمة الافريقي، وكان من المفترض ان يأتي رئيس سييراليون ليكتمل النصاب لكنه لم يفعل. تكلم مع رئيس مدغشقر على أساس أن يقف معنا وأنا كلّمته وحين لم يتحقق ذلك حمّلنا مسؤولية التقصير، فقلت له كلمناه فقال: لا، لا، انتم لم تكلّموه. مثلاً في مؤتمر القمة الافريقي كانت الدولة المضيفة تقيم عشاء رسمياً وفي الوقت ذاته كان القذافي يتعمد إقامة عشاء رسمي في الموعد ذاته، فكنا نضطر ان نطبع بطاقات ونبلّغهم وحين لا يأتي إلا عدد قليل كان يقول أنتم لم تبلغوهم. الحقيقة ان الذين كانوا يلبون دعوته سواء ثلاثة أو اربعة، إنما كانوا يفعلون بسبب حاجتهم الماسة الى مساعداته.
هذا في القمم الافريقية لا العربية…
– لم يجرؤ (القذافي) على فعل ذلك في القمم العربية. وصلنا الى مرحلة كنا نطبع فيها بطاقتين، واحدة يتسلمها مدير مراسم الرئيس وبطاقة نختم بها ختم السفارة، وعلى رغم هذا لم يقتنع بأن الرؤساء الأفارقة يرفضون المجيء… الإحراجات كانت كثيرة.
هل كانت قصة الخيمة تثير لكم مشاكل، وأين؟
– كثيراً، مثلاً في باريس كان يريد خيمة في حديقة الإليزيه وكان هناك فندق تابع للإليزيه خاص بالرؤساء والملوك، فأقمنا الخيمة في حديقته وهي كانت للاستخدام مرة واحدة للصورة وللمقابلة الصحافية.
أين أثارت الخيمة ايضاً مشاكل؟
– في موسكو. وكان القذافي مصرّاً الى درجة خفنا معها ان تتسبب الخيمة في إفشال الزيارة برمّتها. واجهنا مشكلة جدية وحصل جدل وتسرب الحديث عن إشكال. كان فلاديمير بوتين رئيساً للوزراء وعرف بالأمر، فذهبتُ إليه طالباً مساعدته. وقال لي هذه موسكو وهناك حماية البيئة فقلت له لن نأتي بجمل او ناقة، هي كناية عن خيمة فقط. في النهاية جاءت الموافقة ونُصِبت الخيمة في حديقة الكرملين.
وفي نيويورك لم يكن هناك سكن، وكان القذافي لا يريد درجاً او مصعداً. كان يريد أرضي، الدرج نتيجة صحته والمصعد كانت لديه فوبيا منه والأنفاق كذلك، وكان يخاف السفر الطويل، فتحتّم ان نمر بمطارات عدة. ذهبنا الى نيويورك وكان هناك رفض شديد وبحزم، فأتى ابنه معتصم متباهياً امام والده، استأجر فيللا خارج نيويورك ونصب فيها خيمة. طبعاً أتى البلاغ وانقلبت الدنيا وكانت الشرطة تريد القبض عليهم، ومن هليكوبتر صوّروا الخيمة المنصوبة.
هل كنت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حين ألقى الخطاب؟
– هذه مشكلة كذلك، حتى مراسمية. هناك مقصورة خلف المنصة يجلس فيها الرئيس الذي يلي المتحدث الاول. المتحدث الذي قبلنا كان اوباما، فرفض القذافي أن يجلس في المقصورة ليوحي بأنه ينتظره. وهذه ليس لها معنى. الرئيس الذي يخرج يهنئه على كلمته والثاني يقول له اتمنى لك التوفيق بكلمتك، فهذه ناحية بروتوكولية، انزعج منها القذافي وقال انا من مقعدي الى المنصة. وآنذاك كان رئيس الجمعية العمومية الدكتور علي التريكي، وجرَّب ان يشتكي لي فقلت له انت تعرفه اكثر مني، وقال لي مدير مراسم الأمم المتحدة: أنت اقدم واحد فينا وتفهم في أي مراسم في العالم.
ألم يره أوباما، ولا تصافح معه؟
– في إيطاليا نعم، أما في نيويورك فلا. انتظر القذافي نهاية كلمة أوباما امام الجمعية العامة ثم صعد من مقعده وجلس في مقعد الانتظار، وأصر على أن اصعد معه على البوديوم.
ما كان شعورك وهو يلقي الخطاب؟
– في بدايته جيد ولكن حين أراد تمزيق الميثاق ولم يستطع لأنه كان سميكاً رماه ففضحنا، وكان شيئاً مخجلاً، 95 دقيقة، ساعة ونصف (الخطاب) وهو قصد ان يكون حديثه اطول من حديث أوباما.