بمساعدة المقاتلين الروس، يمكن لحفتر ليبيا أن يأخذ طرابلس
لكن المساعدات الروسية ستأتي بتكلفة
ترجمة: عبدو الليبي
مقاتل تابع لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً يطلق النار بسلاحه خلال اشتباكات مع قوات موالية لخليفة حفتر في طرابلس
في 7 سبتمبر
MAHMUD TURKIA/AFP/GETTY IMAGES
طرابلس ، ليبيا - في فيلا محطمة جنوب العاصمة الليبية تعمل كمقر ميداني له، شعر قائد ميليشيا (تصحيح: كتيبه تابعه لجيش حكومة الوفاق) في منتصف العمر يدعى محمد الضراط، وهو مهندس في (مجال) حياة أخرى، بالقلق حيال الذخائر القادمة. لم تكن هذه مجرد قذائف مدفعية، كما أوضح خلال فترة هدوء في القتال في أواخر الشهر الماضي: لقد استهدفوا (المرتزقه الروس الذين يقاتلون لصالح حفتر) هدفهم من خلال التحديد بالليزر من مركز مراقبه ارضي. وقد أجبرته المقذوفات على نقل مقراته أكثر من ثلاث مرات في الأسابيع القليلة الماضية. ولقد كان ذلك مجرد واحدة من عدة تطورات وتحديثات مقلقة لترسانة خصومه في هذه المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية المستمرة في ليبيا، والتي بدأت في 4 أبريل، عندما شن الجنرال المتقاعد المسمى خليفة حفتر هجومًا لإسقاط حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في طرابلس.
كانت الحملة التي شنها ما يسمى بالجيش الوطني الليبي، المصمم من قبل حفتر (والذي يسمى أيضًا القوات المسلحة العربية الليبية وهو تحالف من الوحدات النظامية والميليشيات) بحجة تخليص العاصمه من الميليشيات هي في الحقيقه حملة واضحه ومكشوفة المعالم لإنتزاع السلطة والثروة. مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا قال "تبدو أشبه بالانقلاب". وعندما انكشف الأمر، قام الضراط وغيره من قادة الميليشيات من طرابلس وضواحيها، ووضعوا خلافاتهم جانباً لمواجهة هذا التوغل. انضم إليهم مقاتلون من جميع أنحاء البلاد: على الخطوط الأمامية في الآونة الأخيرة، قابلت رجال الميليشيات من مدينة بنغازي بشرق البلاد والطوارق من أعماق جنوب ليبيا. الحرب التي أعقبت ذلك بدأت بمعركة طاحنه إلى حد كبير جمعت بين المدفعية السوفيتية القديمة والطائرات بدون طيار الحديثة، التي يقودها أفراد من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم حفتر، وتركيا، التي تدعم حكومة الوفاق الوطني.
ولكن تم تغيير الوضع في أوائل سبتمبر، والذي شهد وصول متدخل اجنبي اخر إلى جبهة طرابلس - أكثر من 100 مرتزق روسي من مجموعة ما يسمى "واجنر" أوائل ذلك الشهر، انضم إليهم، في الأسابيع الأخيرة، مئات من المقاتلين الإضافيين الذين تسببوا في زيادة الإصابات بين الضراط ورجاله. أعرب هذا القائد الليبي عن دهشته للتحسن الظاهر في دقة الطائرات المسلحة بلا طيار الموجودة حاليًا والتي تدمر مركباته كما تشاء، ليلاً او نهارًا، مما يحد من تحركاته ويجبره في النهايه على التوقف والإختباء لساعات متتالية. هناك امدادات لا نهاية لها على ما يبدو من قذائف الهاون التي تمطر عليهم. الصواريخ الروسية المضادة للدبابات، وصواريخ الكورنت Kornets المخيفه (وهي صوارويخ مضاده للدروع روسية الصنع موجهه ومصوّبه بأشعة الليزر، التي تلف بين الحوائط الرملية لحرق هدفهم بدقة مدمرة.
ثم هناك القناصة الروس. يقول الضراط إن الطلقات التي تعرضوا لها في الصدر والرأس تكشف عن احتراف لم يسبق له ان رآه من قبل، وهو ما يمثل 30 في المائة من الوفيات في وحدته. وقد قتل أحد هؤلاء الرماة (من المرتزقه الروس) مؤخراً مقاتلاً يبلغ من العمر 23 عامًا، ولا تزال جثته ملقاة على أرض المعركة. قام الضراط ورجاله بالتخطيط لساعات في صباح أحد الأيام حول كيفية استعادته باستخدام الحبال أو السيارات المدرعة: إنه يقع مباشرة في طريق القناصة، الذين أصابوا جنديًا اخراً بالفعل في محاولة استرداد سابقة، ببندقية مضادة للعتاد. بدت المهمة أكثر إلحاحًا لأن والد القتيل كان يطالب الضراط بإعادة جثة ابنه.
قد يبدو كل هذا اخباراً سارة لحفتر، الذي، لأول مرة ، يمكن أن نتصور انه بإمكانه ان يأخذ طرابلس. لكن مزايا ميدان المعركة التي تأتي مع المساعدات الروسية قد تحمل تكاليف. في 14 نوفمبر، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أقوى إدانة لها حتى الآن لحربه، مشيرة إلى ميليشياته بالاسم ومؤكدة أن تحالفه مع المرتزقة الروس يشكل انتهاكًا خطيرًا للسيادة الليبية. وفي نفس الوقت، أصبح الكونغرس الأمريكي أكثر قلقًا بشكل كبير بشأن تأثير الحرب على المدنيين ومزاياه/ وفائدته للنفوذ الروسي في المنطقة. لا يزال هناك تشريع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ ومجلس النواب لفرض عقوبات على المقاولين الروس وممثليهم.
تمثل هذه التحركات معًا خروجًا مشجعًا بعد أشهر من التناقض الأمريكي بشأن أخر التطورات والتغيرات في الحرب الأهلية الليبية. انبثقت سياسة "انتظر وانظر" الكارثية من مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحفتر في منتصف أبريل، والتي أيد فيها هجوم الجنرال على أنه يتماشى مع أهداف الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب. إلى جانب تعزيزها لحرب حفتر، كانت المكالمة الهاتفية مربكة لأن معظم أنشطة مكافحة الإرهاب الأمريكية في غرب ليبيا تمت مع قادة الميليشيات الذين يقاتلهم حفتر الآن. الضراط هو احد هؤلاء. في عام 2016، انضممت إليه وهو يقود رجال الميليشيات في معركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في معقلها في وسط مدينة سرت. في ذلك الوقت، كان لديه مخابرات وغارات جوية أمريكية لمساعدته. لكنه الآن يشكك في التزام واشنطن بحلفائها القدامى.
إنه يشك في أن بيان وزارة الخارجية الصادر في 14 نوفمبر وتدقيق الكونغرس المتزايد، سوف يمثلان نقلة بناءة في السياسة الأمريكية. في اليوم التالي للإعلان أخبرني (الضراط) أنه لن يتغير الكثير من أمريكا، بلهجة متعبه من جندي قوي. تنبأ بهجوم لقوات حفتر "سوف يهاجمون الليلة" في تحدي قوي على تحذيرات واشنطن. وبالتأكيد، في الجبهة بعد الغسق، صاروخان من طائرة إماراتيه بدون طيار عبرت السماء. عند سماع صوت أزيز (طائره) ضعيف آخر، تجمدنا تحت بعض أوراق الشجر حتى اختفى صوتها عن مسامعنا.
في صباح اليوم التالي، سقطت قذائف هاون ونيران المدافع الرشاشة من مواقع حفتر، كالمطر على بعد مئات الأمتار فقط (من المقاتلون)، ليتفادوها.
"ضربونا تحت شجرة!" مقاتل جرى نحو الضراط لإخباره. "يجب علينا العودة!" وحث القائد رجاله "تعاملوا مع العدو!" لكن حزام المدفع الرشاش للشاب كان قد انسد /تعطل.
انطلق المقاتلون ذهابًا وإيابًا، ووجهت الاتهامات المتبادلة إلى أجهزة الاتصال اللاسلكي - "أنت لم تغطي خطي/جانبي!" - لقد كانت آثار هذا العنف المتواصل- نتائج التفوق التكنولوجي الأخير لحفتر - محفورة على وجوه هؤلاء المقاتلون: لقد كان فارقًا صارخًا عندما التقيت بهم هذا الصيف، عندما كانوا يفيضون بثقة شديدة.
بعد عدة أيام، في خضم وابل آخر، أحد مقاتلي الضراط رد باللاسلكي على غرفة العمليات وتوسل للحصول على الدعم بالمدفعية، والتي تدهورت بشدة بسبب ضربات حفتر. يضيف المقاتل متوسلاً "هناك اثنان أو ثلاثة منا يموتون كل يوم هنا" "إذا لم تعطينا مدفعية، فسأعود إلى المنزل".
لم يكن هذا تهديدًا فارغًا: أقر الضراط لاحقًا أن بعض رجاله تركوا الجبهة وفعلوا ذلك تمامًا. وقال إنه طلب تعزيزات من أجزاء أخرى من ساحة معركة في طرابلس، لكنهم لم يأتوا، لأن هذا الجزء من الجبهة معروف "بتقديم/ بسقوط الكثير من الشهداء". لكن هذا جزء فقط من القصة: هناك شعور خفي بانعدام الثقة يجري بعمق فيما بين الجماعات المسلحة القلقه في العاصمة وحولها، والتي تتحد في معظمها من خلال العداء المشترك تجاه حفتر.
في هذه الأثناء، أصبح الضرر الذي ألحقته حرب حفتر بالوحدة السياسية والنسيج الاجتماعي في ليبيا أكثر حدة مع مرور كل يوم. ربما لا يمكن إصلاحه.
في جوله بالسياره عبر طرابلس بعد زيارة قوات الضراط، الأدلة موجودة في كل مكان. تشرد أكثر من 140,000 شخص في العاصمة وما حولها بسبب القتال. إن حكومة طرابلس المحاصرة، حكومة الوفاق الوطني - التي لم تكن أبدا نموذجاً لتقديم الخدمات - فاشله حتى في الوظائف الأساسية للحكم وتسبب ذلك في غضب المواطنين. بعض الميليشيات الفاسدة التي تحالفت اسمياً مع الحكومة تزداد صفاقه بسبب الحرب.
تتزايد أعداد القتلى المدنيين، نتيجة الغارات الجوية المتهورة التي تشنها الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار التابعه لحفتر والتي لا تميز بين الأهداف العسكرية وغير العسكرية. كانت النتائج المروعة واضحة .
بعد ظهر يوم (صافي) بلا سحاب. في منطقة خضراء جنوب العاصمة، يقع مصنع بسكويت قُصف قبل ساعات قليلة بطائرات بدون طيار إماراتية تطير لصالح قوات حفتر. سيارات محترقة ملقاة بجوار حقل البرسيم حيث فر العمال المصابون بالذعر من المصنع. كانت هناك حفر ناتجه عن شدة تصادم القنابل بالأرض تحيط بها بقع دماء وملابس متفحمة وبقايا من اللحم البشري. أفاد موظفو المستشفى الميداني أن عشرة مدنيين لقوا حتفهم وأصيب العشرات من الجرحى. ووصف مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا هذا القصف بأنه جريمة حرب محتملة. تكرر مشهد المذبحة هذا مع الإفلات من العقاب مرات عديدة، ضد المستشفيات، ومركز احتجاز المهاجرين، والمنازل العادية.
إذا كانت هناك لحظة لدبلوماسية أمريكية أكثر حزماً بشأن ليبيا، فقد حان الوقت الآن. ظهرت علامة إيجابية متواضعة على حدوث ذلك الأسبوع الماضي، عندما التقى وفد أمريكي رفيع المستوى، ضم مسؤول كبير في البيت الأبيض، بحفتر في مكان غير معلوم لحثه على وقف القتال. لكنها بعيدة عن أن تكون كافية. الجنرال الليبي له تاريخ حافل من استخدام مثل هذه الاجتماعات مع الدبلوماسيين لكسب الوقت بينما يتقدم على أرض الواقع - وتفسير الكلمات الأمريكية المألوفة على أنها "ضوء أصفر". والآن، ولأن زخم ساحة المعركة لصالحه، ليس لديه حافز على التنحي، خاصة إذا استمر رعاياه الأجانب في حثه وتشجيعه.
بالإضافة إلى ممارسة ضغوط أقوى وواضحه على حفتر، ثم بالإضافة إلى معارضة التدخل الروسي، يجب على الولايات المتحدة إقناع الإمارات العربية المتحدة، أقوى حليف عربي لحفتر، بوقف تدخلها العسكري المباشر والعودة إلى الحوار. إن القيام بذلك لا يعني التحيز أو إعطاء موافقة غير مشروطة لحكومة الوفاق الوطني الضعيفه - والتى، بطريقة مأساوية كانت هناك عملية توسطت فيها الأمم المتحدة قبل هجوم حفتر في 4 أبريل تهدف إلى استبدالها. ولكن الأمر يتعلق بتجنب كارثة إنسانية وشيكة وصراع طويل الأمد - كلاهما يمكن أن تستغلهما روسيا، والتي يمكن ان تضع نفسها كوسيط جديد.
وعلى النقيض للدعايه التي يقوم بها مؤيدو حفتر، فإن سقوط طوق/ حصن حكومة الوفاق في جنوب طرابلس والتقدم باتجاه مناطق وسط المدينه بمساعدة حملة روسيه بريه شرسه وسلاح جوي إماراتي، سوف لن يحقق انتصاراً سريعاً. وبالعكس بدلاً من ذلك، من المحتمل ان يؤدي ذلك الى قتال شوارع دموي من شارع لشارع وخاصة في الأحياء والمناطق التي طالما عارضت مشروع حفتر منذ فترة طويلة. أخبرني رجال الميليشيات من بعض هذه المناطق مؤخراً أنهم سيقاتلون حتى الموت. إذا تولى (حفتر) السلطة ، فإن وحدات الميليشيات في طرابلس لن تختفي لكنها ستستمر، ولكن بإعادة تكوينها وإعادة تسميتها، وتحت سلطة حفتر الفضفاضة، وهي إستراتيجية خيار مشترك استخدمها تجاه الجماعات المسلحة في أماكن أخرى من ليبيا.
وأسلوب حفتر في الحكم- الذي يتسم حالياً بتأجيج التوترات الطائفية في الجنوب والافتراس والقمع الاقتصادي في الشرق - لن يشجع الوحدة المنشودة التي ليبيا في امّس الحاجة إليها، لكنه سيجبر خصومه على تمرد طويل الأمد. يمكن لهذا الصراع أن يعطي حياة جديدة بشكل غير مباشر للجماعات الراديكالية الضعيفة مثل الدولة الإسلامية (داعش) أو يلهم طفرة جهادية جديدة تعارض الطاغية في طرابلس، وهو تطور مثير للسخرية بالنظر إلى رواية مكافحة الإرهاب التي باعها حفتر للعالم منذ فترة طويلة.